لطالما اعتاد اليمنيون على مشاهدة بيع وشراء المشتقات النفطية في السوق السوداء، لكنهم لم يألفوا من قبل أن تُباع أسطوانات الغاز المنزلي في تلك السوق، إلا هذه الأيام، وهو ما يدل على فشل سلطة الانقلابيين ورغبتها في مضاعفة معاناة المواطنين ومضايقتهم حتى في قوتهم اليومي. والسوق السوداء هي أسواق تُستحدث في اليمن أثناء الأزمات السياسية أو الأمنية، وتباع فيها السلع التي يصعب على المواطن الحصول عليها، إذ يتم بيعها بالسعر المضاعف، فضلا عما يتخللها من رداءة وغش، ويقف وراء هذه الأسواق أصحاب النفوذ القريبين من مراكز القرار الذين بمقدورهم توفير هذه السلع، إذ كان يتبناها سابقا قيادات في نظام المخلوع علي عبدالله صالح، وحاليا قيادات من ميليشيا جماعة الحوثي المتمردة، ويجنون من ورائها مبالغ مالية طائلة. واضطرت عائلات وأسر يمنية إلى المبيت جوار محطات ومحال بيع الغاز المنزلي، أملا في الحصول على أسطوانة بات اليمنيون يحلمون بحيازتها، عقب أن عمل الانقلابيون على احتكارها لمواليهم، أو بيعها في السوق السوداء، بقيمة لا تتناسب ودخل الفرد اليمني. ورصدت "الوطن" أكثر من مركز لبيع الغاز، استحدثه قادة في الميليشيات كسوق سوداء، ويقع تحت حراسة مسلحيهم، ويبيعون فيه أسطوانة الغاز بأربعة آلاف ريال يمني، بفارق يبلغ ألفين وثمانمئة ريال عن سعرها الرسمي المقدر بألف ومئتي ريال فقط، أي بزيادة تصل إلى ثلاثة أضعاف السعر الرسمي. وتنتشر تلك الأسواق في العاصمة صنعاء والمدن الرئيسة الأخرى، وأفادت مصادر متطابقة أن الناقلات التي تبيع الأسطوانات في السوق السوداء تتبع قادة في الميليشيا الانقلابية، وتعود أرباحها المالية الطائلة إليهم، ويتضح ذلك من خلال وجود مسلحين حوثيين شاهدهم مراسل "الوطن" لحماية تلك الناقلات. ومن الأحياء التي يبيع فيها الحوثيون الغاز المنزلي في العاصمة، شارع الستين، وحي السنينة، وحي جدر، وأحياء في منطقة التحرير. ويقول مواطنون إنهم عاجزون عن شراء الأسطوانة بالسعر الجديد الذي فرضه الحوثيون، وفي نفس الوقت هم في أمسّ الحاجة إليه لاستحالة توافر الطعام لهم ولأهاليهم دون وجوده. ليس هذا فحسب، بل إن استخدامات جديدة للغاز ابتكرها اليمنيون، كاستخدامه في وقود السيارات ومولدات الكهرباء وغيرها، كبديل لمادتي البترول والديزل اللتين انعدمتا بشكل كلي من السوق، دون علمهم بأن هذا الانعدام سيشمل الغاز. وقالت وزارة النفط اليمنية إن الغاز المنزلي متوافر بكميات كافية في محطات ومحال البيع المعروفة، وإنه لم يطرأ أي تغيير على السعر الرسمي للأسطوانة؛ لكن الواقع يشير إلى وضع مختلف، فالغاز منعدم تماما من السوق العادية، بفعل احتكار الانقلابيين لها، وإن تفضلوا بتوفيرها للناس فإنهم لا يتورعون عن بيعها بثمن باهظ، على مرأى ومسمع من الناس والسلطات الرسمية التي لم تحرك ساكنا.