مخطئ من يعتقد أن الفقر لا يعرف إلا لغة الماديات، وأنه يقتصر فقط على قلة الحاجة والحيلة والعوز وفقد المسكن والمأكل والمشرب، فنحن فقراء أمام الله في فهم وسطية وعدالة وسماحة هذا الدين العظيم، فقد ذهبنا لما هو أبعد في تفصيل نهجه وسماحته وفق ما نريده نحن وليس وفق ما يأمر به، فحصدنا بذلك نهجا متشددا نريد أن نسير الجميع به، نهجا أضر بتلك العقيدة الصالحة وافتقر إلى الوسطية والعدالة. وكم نحن فقراء في صدقنا مع أنفسنا ومع الآخرين ولو كنا كذلك لما تجرعت الكثير من القلوب أوجاعها، إما بمشاعر لم تصدق قلوبنا بها أو ثقة خُدشت لأننا لسنا أهلا لها، فأصبحنا إما متصنعين لواقعنا أو بارعين في مجاملاتنا لبعضنا، والحال لا يختلف في فهم الآخرين وتقبلهم بآرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم فنحن هنا ابتلينا بأشد الفقر لأننا لم نتقبل اختلافنا ولا حتى التعايش والتصالح معه بتناغم وسط أجواء من الود والاحترام، فأصبحت لغتنا في حواراتنا مسمومة والويل لمن يخالفنا، ليس تشائما، ولكنه تجسيد لواقعنا الذي يفتقر لكثير من القيم والمكتسبات، لأنه ببساطة لم تعد تلك الطمأنينة تسكننا نحو بعضنا البعض إلا فيما ندر. لقد أصابنا فقر الأمانة والصدق والثقة والخوف من الله، وكذلك الفقر النفسي الذي يأكلنا من الداخل ويسوس أعمدة المبادئ الراسخة ليجعلها تنهار وليفقد بذلك الإنسان ذاته، وإن كنا نريد مكافحة ذلك الفقر فنحن بحاجة إلى أن نغني ونربي ونغذي أنفسنا بمخافة الله تعالى في كل شيء وكسب المزيد من القيم والمكتسبات والمبادئ التي هي بمثابة النبراس المنير لذواتنا.