بلغة التحذير غير المباشر كان أستاذ اللغويات بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتور محمد ربيع الغامدي يستعرض معادلة لا تجتمع كيميائيتها إطلاقا، وهي أن المثقف لا يمكن أن يصبح مؤدلجا، والمؤدلج بالتالي لا يمكن أن يكون مثقفا، بحسب الغامدي، في محاضرته التي ألقاها باللجنة الثقافية التابعة لنادي جدة الأدبي بمحافظة القنفذة، ووضع مبضعه في أكثر المساحات جدلية في التعاطي بين الثقافة والأيديولوجية اللتين يرى بعض الأطراف أنهما تجتمعان ولا تتضادان، بخلاف ما يراه أستاذ اللغويات. غاص الغامدي كثيرا في توسيع خارطة الأدوار الوظيفية للمثقف، وأهم ما ارتكز عليه بشأن ذلك يتموضع في إنتاج أو إعادة إنتاج المعرفة وربطها ب"الفضاء العام". وذهب الغامدي إلى استعراض السمات التي من المهم أن يتصف بها المثقف الحقيقي لإنضاج محيطه الثقافي. ومن هذه السمات الاتصاف بالمصداقية والمنهجية للتعاطي مع الظواهر والمسائل والإشكالات التي يعج بها مجتمعه، ليكون قادرا على تشخيصها والتعبير عنها بأسلوب منهجي، لعدم إدخال العادات والتقاليد في طابع التكوين الثقافي. إلا أن أهم ما ذكره الغامدي هو أن "المثقف" صاحب "عقلية نقدية" تسهم في نهضة المجتمع المحيط به. الأدلجة في الحالة الثقافية كانت محورا مهما لم يخض فيه الغامدي بمفرده، بل خاضت فيه مداخلات الأكاديميين والمثقفين والأدباء، الذين قدموا هم أيضا أطروحات في هذا الجانب، إطارها العام أن الثقافة والأدلجة لا تجتمعان، وأن البعض من أصحاب الثقافة ما زالوا يعيشون تحت وهم "الثقافة المؤدلجة". وعاد الناقد الغامدي إلى التأكيد أن الثقافة مظلة إنسانية عامة لا يمكن محاصرتها بالثقافة الأيديولوجية، على اعتبار أن معرفتها محدودة بدوائر معينة وضيقة، لا ترتكز إلى المفهوم والنهضة المعرفية.