المحير في الأمر أن يكون قيام الفرد بعمله على الوجه المطلوب أمراً يعد إنجازا تطير به الركبان، وهو في الأصل من صميم عمله، ومن أجله وضع في هذا المكان، واؤتمن عليه، وهذا ما يحدث لدينا تحديدا، فما إن تقوم إحدى الجهات الحكومية بواجبها الموكل لها نظاما، حتى يستغرب الناس ويفرحون بهذا العمل وكأن القيام به غير متوقع، ربما لتعودهم عدم التجاوب المأمول من تلك الجهات، وسكوتها المرير عن معاناتهم في أوقات مضت ومراعاة مصالح البعض على مصالح البعض الآخر، ونسي أولئك أن هذه أمانة كل موظف وكل قطاع يخدم الناس، وأنهم مسؤولون أمام الله ثم أمام ولي أمرهم وضمائرهم تجاه المجتمع، فهم جزء منه، والسكوت والتغاضي عما يؤثر سلبيا على مصالح الوطن يعودان على الجميع دون استثناء، وانتشار الفساد بأي وسيلة أو شكل ظاهر أو متوار سيدفع ثمنه وطن بكامله. هذا الاعتقاد الذي يحدث من استغراب وإكبار لقيام وزارة بواجبها أمر نرجو ألا يستمر، وأن يكون الأصل هو تنفيذ الأنظمة واللوائح والعقوبات دون تردد تجاه كل من يتلاعب بمصالح الوطن والمجتمع، مهما كان حجمه أو نفوذه، صحيح أن الإشادة وشكر المخلص أمر واجب لا بأس في ذلك، ولكن لا يصبح أمرا نعتبره إنجازا لا مثيل له، يشعرنا بأن المخلصين المتفانين في عملهم ندرة وقلة تثير الدهشة لهذه الدرجة، وكأن الغالب هو ضياع الأمانة وتهميش مصالح الناس، وما قامت به وزارة التجارة من تحرك قوي تجاه بعض من يخدع الناس ويستغلهم ليزداد ربحا ويحقق مكاسب أكبر على حساب البسطاء من المجتمع أمر يحسب لها ويحسب لوزيرها المجتهد، ولعل الناس اندهشوا لإغلاق شركات ذات نفوذ ورأسمال قوي لأنهم لم يتعودوه، فلا لوم عليهم في هذا بالتحديد لأنها ربما تكون أول مرة يجدون تطبيقا حقيقيا وعملا يشاهدونه على أرض الواقع منذ زمن طويل في وزارة تمس حياتهم بالمقام الأول، ويرجون أن تستمر وزارة التجارة في عملها الدؤوب تجاه مكافحة الغش واستغلال الناس والتضييق على أرزاقهم من قبل تجار لا هم لهم إلا تكديس الأموال وجني الأرباح بأي طريقه كانت، وإن كانت على حساب شعب ووطن ومستقبل أجيال، ولا يقتصر دور التجارة على المتابعة الحثيثة لكل من يحاول تضليل الناس، بل على توعية المستهلك نفسه وكيف يطور طريقة صرفه ومشترياته، وألا يكون الحلقة الأضعف في سلسلة التجار. من حق المستهلك أن يختار الأفضل وبالسعر المعقول، وأن يرفض أي استغلال أو عروض وهمية، وألا يقتني ما لا يحتاج، وأن يجعل مصروفاته متوائمة مع دخله، لا أن يحمل نفسه أعباء هو في غنى عنها، فالوعي بالمشكلة يعد أهم الحلول، وبتعاون المواطن والجهات الرقابية يتم القضاء على محاولات الغش والتضليل التي ينتهجها بعض التجار ومن يعملون تحت إداراتهم من عمالة وافدة لها يد قوية في تحصيل الأموال وتسويق ما لا يجب تسويقه، فهذه العمالة وجدت أن استغلال الناس أسرع طريقة لتحقيق مكاسب تعود عليهم بالنفع خلال المدة المحدودة بعملهم لدينا، دون الشعور بالمسؤولية تجاه وطن لا ينتمون إليه، ودور المواطن في المقام الأول هو أن يكون واعيا بما يكفي، بحيث لا يكون لقمة سائغة لكل من تسول له نفسه غش الناس واستغلالهم بأي وسيله كانت، وأنا وأنت ونحن الخط الأول لمكافحة الفساد، فنحن المواطنين نحمي وطننا وأنفسنا ومقدراتنا بوعينا وإدراكنا لما يدور حولنا، وبتطوير تفكيرنا وطريقة تعاطينا مع الواقع، وتذكر جيدا أنه (لن يمطتي أحد ظهرك ما لم تكن منحنيا).