لم تكد تجف أحبار كلماتنا وترحل إلى الأرشيف وتذبلُ أصوات أحرفنا عن مأساة مُدننا مع الأمطار الشتوية للعام الماضي، حتى عادت إلى المسرح من جديد ترتدي رداء العام نفسه مع أول اختبار حقيقي لعمل السنوات الماضية من مشاريع ضخمة الإمكانيات والتطلعات لمعالجة سيول الأمطار، ها هي جدة عروس البحر الأحمر كادت تغرق من جديد في "شربة مويه". الأمطار هبة من الوهاب الرحيم.كيف استطاع بعض مسؤولينا المستهترين بالأرواح أن يجعلوا منها سببا وجيهاً للموت والدمار، حقا يستحق كل من أسهم بإيصالنا إلى تلك القناعة أن يُمنح جائزة نوبل للغرق، حينَ يُقبلْ موسم الأمطار يتبادر إلى أذهاننا كيف سيكون حال مُدننا بعد نزول المطر وكأن الأمطار نوبة غضب من الطبيعة تخصنا دون بقية مدن العالم، تعلّق الحياة ويبدأ موسم إشاعات تعليق الدراسة هنا وهناك. الحقيقة أن من استطاع تنظيم أكبر تجمع بشري في العالم في أيام معدودة وبنجاحات مُبهرة في موسم الحج قادر على تسيير مياه المطر إلى أماكنها المهيئة مُسبقاً والاحتفاء بها طويلا، تلك مفارقة عجيبة كلما سقطت الأمطار يطفو الفساد المتغلغل في التفاصيل، وتضامناً مع قتلى السيول نكّست راية قلمي على الورقة حداداً على أرواح شهداء السيول والإهمال. الأخطاء تتكرر كل عام ولا حلول ملموسة والسبب الحقيقي أن الأفكار القديمة -مع أصحابها- بقيت وحدها صامدة في وجه سيول التغيير، بيروقراطية التعامل مع المشاكل الخدمية لم تعد مجدية، أرواح المواطنين تستحق انطلاقة حقيقية لطرح المصاعب والحلول والاستعانة بخبرات مؤهلة لا مترهلة! المشاكل بطبيعتها تتفاوت وقد يتم التغاضي عن أبسطها ضرراً كمشكلة الوقوف بمكان خاطئ مثلا، ولكن تكرر سيناريوهات الغرق السنوية يحتاج لحلقة أخيرة تنهي ذلك المسلسل الحزين. وإن لم يكن كذلك أقترح مقترحا نموذجيا أن يضاف للمواطنين بدل غرق لأن لجان التعويضات وشركات التأمين ربما تقف عاجزة ذات يوم عن تحمل تبعات إخفاقات مسؤول لا مسؤول، ربما سأقرأ غداً في مكان ما تعاقد نزاهة مع السيد المطر لكشف الفساد.