دعا مثقفون إلى تأصيل "التصنيف الفكري" في المجتمع السعودي، وتخليصه من "الشخصنة" باعتباره ظاهرة طبيعية، لكن بعيدا عن العدائية والإقصاء. وأكد أستاذ أصول الفقه في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور مسفر القحطاني خلال ندوة "أزمة التصنيف الفكري وآثاره الاجتماعية" التي نظمها نادي الشرقية الأدبي أول من أمس، وشارك فيها إلى جانب الكاتب نجيب الخنيزي، وأدارها الكاتب محمد العصيمي، أهمية التصدي للأزمة التي نعاني منها جميعا، وهي أزمة التصنيف التي قد تختلق الأفكار العدوانية ثم يحولها أصحابها إلى رصاصات قاتلة مثلما حولوا دائرة التصنيفات إلى أرض حقيقية ومعركة للتصفية عندما يمتلكون أداة للقتل والتهور كما حصل في الدالوة. ودعا القحطاني إلى تعميق الجانب الأخلاقي والتربوي في المجال الفكري، وتساءل: "هل التصنيف أزمة مفتعلة أم أزمة فاعلة؟ مبينا أن الأمر الفاعل هو نتيجة لسيرورة اجتماعية، أما المفتعلة فهي أزمة ستتمدد لأن وراءها أيادي من خارجها تعمل على استمرارها، الفاعلة قد تكون مفيدة ومثرية للحوار، أما المفتعلة فتدور حول مشكلة لا تستحق، وقسم الافتعال في دوافعه إلى ديني وسياسي، فالديني يحول أي اختلاف بسيط إلى أمر يصفي من خلاله الآخر، ويحول الاختلاف السائغ إلى سيف عقيدة مسلّط على الآخر المختلف، أما السياسي فيفتعل المشكلات لكي يخلق اصطفافات يقدم من خلالها مشاريعه. كما تناول القحطاني ملمحا آخر لشكل النزاع الفكري، الذي وصفه ب"الطفولي"، وهو تناول الأشخاص بدلا من الأفكار، فيبقى الاستهداف للفكرة سطحيا. وختم القحطاني مؤكدا أن من يملك الأفكار القاتمة قد لا يملك أدوات تنفيذها، ولكن حين يأتي من يملك أدوات تحويل الأفكار الخالية من أخلاقيات الاختلاف الفكري إلى رصاصات فستحدث حادثة الدالوة وأمثالها. من جانبه، قال نجيب الخنيزي في ورقته: إن الموضوع متشعب ومرتبط بقضايا مفاهيمية وحقوقية وإنسانية، مبينا أن التصنيف الفكري في المجتمعات المتطورة أمر طبيعي وليس أزمة، وأوضح أن الأزمة أكثر شمولا وهي أزمة بنيوية مركبة من جوانب ثقافية وفكرية وسياسية، وحين نقول "أزمة" فهذا يستبطن حالتي الإقصاء والتكفير، وهذا يشمل المنطقة العربية ومنها بلادنا. وركز الخنيزي في ورقته على مصطلح "العنف الرمزي" وقال: ليس هناك جدار الصين بين التطرف والإرهاب وبين العنف الرمزي، فهو يمثل الحاضنة الأيديولوجية والاجتماعية له. وأضاف: علينا التفريق بين العنف في الحروب الأهلية وبين مقاومة المحتل من جهة، وبين التطرف المتعلق بالجماعات الإرهابية التي على الرغم من ما لحق بها من ضربات إلا أنها لا تزال مصممة على تنفيذ أهدافها. وأكد الخنيزي أن التطرف يبدأ فكرا منغلقا في قنوات التحريض ومواقع التواصل، والقطع من الجذور يعني الاعتراف بوجود المشكلة أولا. وشهد ختام الندوة عدة مداخلات وتساؤلات للحضور التي أجاب عنها ضيفا الأمسية.