وصفها الناقد عبدالله الغذامي ب"أشجع امرأة في تويتر"؛ لأنها تقف منفردةً وسط عاصفة ردود الفعل، بعدما فتحت صفحتها في "تويتر" ميداناً للنقاش عن الموروث الديني الشيعي. كوثر موسى الأربش شابة شيعية تسكن بين رقة الشعر وعنفوان النقد، ترسم بيد وتكتب بالأخرى قصصاً، بينما عقلها يمارس "النقد" حتى تحول قلمها إلى مشرط يسعى لاستئصال "الخرافة" و"التطرف". تنتقد المسكوت عنه من قبيل تحول فعاليات من عادات شعبية إلى شعائر دينية، وترفض ترك مذهبها، ترفض تصنيفها ك "ليبرالية"، وتحارب اختطاف عقول العامة، وتسعى إلى التقارب بين المذاهب، مؤمنة بأن الاندماج الاجتماعي يبدأ بنقد الموروث، تصف إيران بأنها عاصفة رملية عمياء إلا عن مصالحها.. كل هذه الآراء تطرحها الأربش في حوار مع "الوطن" هنا نصه: حدثينا عن علاقتك بالشعر؟ ولماذا لا تلتزمين بقواعده؟ للشعر في أسرتي حظوة، اثنان من إخوتي من الشعراء. بنية البيت بمجمله ثقافية دينية تمثلت بمكتبة ضخمة تعج بدواوين الشعر الولائي، وبما كانت والدتي (كما كانت أمها وجدتها رحمهن الله) ترتجل وتحفظ من القصائد الولائية وتكلفنا بنسخها في كراريسها. فكانت قراءة الشعر وتلحينه إحدى هواياتنا في الطفولة. وفي صفوف الدراسة فُتحت لي آفاق الشعر الجاهلي والإسلامي والحديث. غير أنني سرعان ما انتحيت بذائقتي من القصائد الدينية (الولائية) الدارجة في البيت، وانتفضتُ على القافية والوزن باكراً. وبدأت قصة الشغف بقصيدة النثر. لربما كان قدري هو الانتفاضة على القيود. وكيف كانت الحكاية؟ حكايتي مع قصيدة النثر سردتها في أمسية ملتقى سين في جدة، لمؤسسه الشاعر عيد الخميسي. كنا مسافرين عن طريق البر لسورية عندما كنت في الابتدائية تقريبا. وجدتُ جريدة ملقاة، التقطتها وتصفحتها. ووقعت عيني على كلمات جعلت روحي ترفرف، ولم أكن أعرف أن تلك ما يسمونه "قصيدة نثر" لكني عرفت أن هناك كلمات تختطف إحساسك وتخلق في دمك أسراب فراشات. اقتطعت قصاصة واحتفظت بها. بعد أعوام عرفت أنواع الشعر وعرفتُ أي القنوات الشعرية تستوعب دفقات روحي وفكري. وبالمناسبة قصاصة الجريدة كانت قصيدة لعيد الخميسي الذي استضافني في ملتقى سين بعد الحادثة بسنوات. كشاعرة نثر كيف ترين علاقة الجمهور به، خاصة وأن مرة تجاهلك الجمهور ولم يصفق لك؟ نعم كان ذلك في أمسية في النادي الأدبي في أبها. كانت قصة غريبة، كنت وقتئذ عائدة لتوي من تمثيل المملكة مع زملاء وزميلات في مهرجان قصيدة النثر الأول في القاهرة. وهناك قرأت عدة نصوص، فحانت فرصة ما قال لي فيها الشاعر اللبناني وديع سعادة: لو أخلصتِ لمشروعك الشعري ستكونين صوتاً مميزا على مستوى العالم العربي، بعدها جاءت أمسية أبها التي لم يصفق فيها الجمهور، قصيدة النثر مازالت وليدة للمتلقي السعودي الذي مازالت ذائقته مسورة بالنسقيات والقوافي. أين نتاجك، هل أشغلتك السجالات في تويتر عن التأليف؟ لدي ديوان شعر بعنوان "دخلتُ بلادكم بأسمائي" ومجموعة قصصية تحت الطبع. على الصعيد الفكري قبل عامين فقط كان فكري ما يزال رهن أنساقه ونمطيته. لم تتبلور بعدُ رؤاي ولم أنته من البحث عميقا في زوايا ومنعطفات تغيرت بعضها جذرياً. وكيف هي علاقتك بالوسط "الشيعي" إعلامياً واجتماعياً؟ لا يمكنك جمع الشيعة في سلة واحدة. هناك تبايانات حسب المرجعيات أو مسافتها من السلفية الشيعية (بُعداً أو قرباً). هناك سطوة من قيادات اجتماعية ودينية مختلفة الأصول. تحتضن كل قيادة تحت جناحها مجموعة من البسطاء تحاول تعميتها عن الواقع. كما أن هناك جهات مخلصة تهدف للنهوض بالوعي العام وتبذل من وقتها ومالها الكثير مما يستحق التصفيق بحرارة. كما أن هناك مثقفون مستقلون أو شبه مستقلين. هذا التنوع يجعل ردة الفعل تجاه طرحي متباينا، بين تأييد وحياد أو قبول جزئي، وبين شتم وتشهير وقذف، وهؤلاء تدفعهم بعض القيادات الحريصة على تجهيل العامة. كما أن هناك مواجهة فريدة من بعض من أسميهم "الفاريّن من ساحة التنوير" ممن كانت لهم خطوات جبارة في هذا الصدد ولكن بعد تلقي جلدات حارقة من المجتمع انقلبوا على أعقابهم واستسلموا لمشيئة الجهل. هؤلاء يجعلونني أدفع فاتورة جبنهم وانسحابهم لا أكثر. متى كانت بداياتك مع نقد الموروث الديني؟ وكيف تجرأتِ على المحظور؟ ومن ساندك؟ بدأ الأمر بسبع عشرة تغريدة كانت بمثابة تلخيص لتاريخ نشوء الدولة الصفوية ودورها في تشويه واستغلال لقالب المذهب. وكنت وقتها مازلتُ في طور الكشف الباهر الذي شهده وعيي ، عندما وضعتُ يدي على أخطاء وتناقضات في بعض الموروث الشيعي. كما كنت ما أزال تحت سطوع حقيقة تاريخ بعض الطقوس وأسباب نشوئها التي كان بعضها سياسياً محضاً. التغريدات كانت شبه اندفاق مادة كيميائية حارقة على وجه المجتمع الشيعي في الشرقية. كانت الصرخة المدوية جراء تغريداتي واسعة للغاية وصاخبة وصاحبها الكثير من البذاءة. والمفاجأة أن ردة الفعل الوحشية والغوغائية كانت بمثابة صافرة إنذار بأن ثمة حالة من التطرف والعنف مختفية ومندسة بين طيات مجتمعي. ربما امرأة دونما مساندة تتلقى كل هذا العنف الذي بلغ حد التهديد كان سيكون الانسحاب والدعة هو خيارها، لكن الفرار ليس منهجي، فشمرت عن عزيمتي وقررت البدء بمواجهة الغلو والخرافة حتى إذا ما غضب خفافيش الظلام والمتطرفون وزادوا في غيهم وعنفهم سأكون كسبت أيضاً تعريتهم. فضح التطرف المبطن أصعب بمراحل من مجابهة تطرف مُعلن. وها أنا ذا في طريقي دونما مساندة أحاول صقل أدواتي وشحذ قدراتي. تصفين عقول بعض الشيعة بأنها مختطفة من بعض أصحاب العمائم، هل تحاولين استفزاز عقولهم ليتخلصوا من الاختطاف؟ وهل سيتركك المختطِفون تسرقين منهم عقول عامة الشيعة؟ الجلد المحترق علاجه مستعصٍ، حله الوحيد التبديل، بعض العقول كذلك لا يمكن أن تصحح مسارها. ما أفعله أني أضع تجربتي بما فيها من تحولات فكرية، واكتشافات ومغامرات، وقفز على أسوار عتيقة صدئة. أدونها بكل صدق وتجرد، أحيانا أسلوبي الكتابي المتجرد من العاطفة يستفز بعض العقول التي اعتادت التخدير. تلك العقول التي لم تحترق كلياً، هؤلاء من أرجو لهم فقط التحرك باتجاه البحث. لستُ إصلاحية أنا فقط مصدر إلهام، وما أدونه بالطبع مُشرع لردود الأفعال المتباينة. هناك فئة تتخذه ذريعة للنيل من الشيعة من قبيل: "شهد شاهد من أهله"، والبعض يتخذه أسوة وإلهام، والبعض يعتبره تخبطاً ومحاولة إعدام للمذهب كله. لكني مدونة والمدون تنتهي علاقته بما يسجل عند آخر نقطة. تقولين إن كل إنسان تصيبه يقظة وعي لسبب ما، متى أصابتك اليقظة؟ وماذا كلفتك؟ اليقظة الأولى كانت بعد القراءة المتجردة من كل خلفية مسبقة. كانت "غيبة الإمام المهدي" هي نقطة الإضاءة في فكري. وكان المنعطف اكتشافي بما لا يدع مجالاً للشك أن غيبة المهدي مجرد خرافة. حسب فهمي للمكسب والخسارة لم تكلفني شيء. مجرد عملية تنظيف عملاقة، لعلاقاتي الاجتماعية ولوقتي ولذاكرتي. الشوائب والزوائد تم تشذيبها، وأصبح لدي مساحة جيدة لما هو خير وأبقى. ماذا تمثل إيران للشيعة حسب رأيك أنت؟ عاصفة رملية عملاقة وعمياء إلا عن مصالحها تبتلع كل ما يقف في طريقها. هل شيعة الخليج يشعرون بالتبعية لإيران أم أن إيران تستغل بعضهم لأهدافها السياسية؟ حين تتحدث عن شيعة الخليج لابد أن نراعي التعددية والتنوع فيهم. بلا هذا الأفق سنقع في فخ اللا موضوعية. أيضاً علينا أن ندرك أن الثورة الإيرانية مازالت صندوقاً أسود، غامت الرؤية حوله بسبب عاشق أرعن وعدو أعمى. لكن المتتبع المنصف لابد أن يصل لخطوط عريضة يمكن الاتفاق عليها. أول هذه الخطوط إسقاط قداسة الخميني والأخذ بالاعتبارات البشرية لشخصه، فهو ليس شرا محضا ولا خيرا محضاً. الخميني رجل سياسة بلباس ديني، لديه أجندته التوسعية وقام بعدة جرائم لتصفية أنصار الثورة بعد أن كان يسايسهم لمؤازرته. هكذا بدأت إيران الخمينية. بنكث الوعود والانقلاب على الأصحاب. أما حضور إيران في المجتمعات الشيعية فلا يأتي في طابع واحد. بل يمكن حصره في طابعين غالبين: الأول من يسمون بخط الإمام وهم مؤيدو نظرية الولي الفقيه، والثاني يضم غالبية الشيعة ممن ولاؤهم لأوطانهم أولا ويأتي حضور إيران لديهم حضوراً وجدانياً وارتباطا دينيا طاغيا وقويا. لأسباب عدة أحدها ما يتمسك به الإيرانيون ويروجونه عن روايات علامات آخر الزمان وظهور المهدي، ما يسوغ أفضلية الجنس الفارسي وتفوقه (الشعوبية). فمن إيران تخرج أهم رايات نصرة المهدي (الإمام الثاني عشر) وهذه الإقحامات الدينية هي ما يربط الشيعي البسيط بإيران "الدولة الممهدة لخاتم الأئمة". وكتبتُ مقالاً بعنوان: كيف تخفت إيران خلف بردة المهدي؟" يمكن الرجوع إليه. ما رأيك فيما يردده بعض الشيعة من أن السنة يدعمونك في نقد الموروث الشيعي، وأنك تبحثين عن الجماهيرية بجذب السنة من خلال نقد المذهب الشيعي؟ وهل تعتقدين أن السنة يدعمونك طمعاً في التحول إلى مذهبهم؟ بعض العقول أهلكتها نسقيتها. بحيث لا يسعها الإتيان بفكرة جديدة خارج محيط (تطلعاتها، مخاوفها، أمنياتها، هواجسها وغيره) من يعتقد أن بعض المدائح تأخذني للتقدم، وأن الشتائم تؤخرني للخلف هو غارق في محيط ذاته، وما يرجوه ويخاف منه هو ما يَصِم به غيره. أما أنا فتشابه لدي المادح والذام على صعيد الدفع أو التأخير، خرجتُ من عاطفتي تلك، لا شيء يحركني سوى (الأفكار). أما الجماهيرية فهي نكتة مكررة. أسهل طرق كسب الجماهير هي مجاراتهم وليس معارضتهم! لماذا يختفي صوت الليبرالي الشيعي؟ لا أستطيع أن أتبين نوايا أحد. ولكن مع تتبع مجريات الأحداث الداخلية والخاصة جداً فقد شهدنا نكوص بعض الأقلام والأصوات المستقلة وعودتها للذوبان في الصوت السائد بعد تعرضها لإرهاب فكري ساحق، من تكفير، ونبذ وتخوين وإقصاء أدى بهم لزعزعة اجتماعية واسعة، هي ما دفعهم للانسحاب المؤلم ذاك. كما شهدنا حالات تكفير لكل من يجرؤ على الموروث الديني الشيعي بنقد (السيد الحيدري، السيد فضل الله) ليسا النموذجين الوحيدين للإرهاب الفكري الشيعي الداخلي لأبنائه الخارجين عن الصندوق! ترفضين تصنيفك ك"ليبرالية" لماذا؟ وأين تصنفين نفسك؟ الليبرالية العربية لم تحقق للآن شعاراتها. رغم أن المحاولات جارية. مازال الليبرالي العربي صورة "نيجيتف" عن الإسلامي المتطرف في بعض ردود أفعاله وأطروحاته. أحترم محاولات جميع الأصدقاء الليبراليين وأشهد لهم ببعض النجاحات في صدد تغيير بعض المسارات الفكرية لدى بعض فئات المجتمع. لكنني لستُ منهم. تنتقدين الموروث الشيعي وتقاتلين من أجل آراءك التي ترفضها بعض المراجع الشيعية، وترفضين فكرة ترك المذهب الشيعي، إلى أين تسيرين؟ قبل هذا.. ما هو المذهب الشيعي الأول؟ إذا أدركنا الجواب بكل أبعاده سنعرف أن التشيع أخ شقيق للتسنن، لا يفرق بينهما إلا الإمامة والخلافة. بل حتى المفهوم الأساسي للإمامة قبل تشويه المغالين والمتمصلحين كان خطاً مؤازرا للخلافة. وليس خصماً لها. أما سيري فنحو صيغة أفضل للتشيع مقاربة للإسلام القويم بنبذ ما داخله من مدسوس. كيف تنظرين إلى ما يُفعل في الحسينيات يوم عاشوراء؟ مازلتُ أحتفظ في وجداني بشيء من الحميمية لمراسم عاشوراء. الاستماع للقصائد والأناشيد والاحتشاد السلمي للجماهير التي تجمعت من أجل إحياء ذكرى استشهاد الحسين. فأنا لست ضد المهرجانات والمحافل وإحياء المناسبات الدينية والاجتماعية. بل أعدها عادات شعبية وفولكلور خاص بالمنطقة لن تنجح محاولات طمسه. ومن حق كل شعوب العالم أن تحافظ على عاداتها. ما أنا ضده هو اعتبارها شعائر دينية، لأن الباحث الدقيق يستطيع تتبع تاريخها واكتشاف نقط الضعف في ربطها بسيرة النبي وتعاليم القرآن بل حتى بالأئمة عليهم السلام. وأيضا أطالب بتنقيحها (خطابيا وممارساتيا) من كل ما يضر بالإنسان (عقلا وجسداً) كإيذاء الجسد وتعريض الأطفال لبعض المخاطر وترويج الخرافات والتحشيد السياسي وتأجيج الأحقاد على أمهات المؤمنين وصحابة رسول الله رضوان الله عليهم. وأمور لا يسع الآن اختزالها ولكنها جعلت هذه المحافل تفقد مقاصدها. وأصبح منبر الحسين مختطفاً. ولو بقيت مجالس عاشوراء على عهدها الأول لكنت أزاحم الأكتاف للصفوف الأولى.