استعرضت السلطات الايرانية في الايام الاخيرة قدراتها على كبح الاحتجاجات الجماهيرية التي تتواصل في منطقة الاحواز ذات الغالبية العربية (جنوب غربي ايران) لإحياء الذكرى السادسة لقمع انتفاضة عرب الاحواز عام 2005. ولم يخل المشهد الاحوازي من تهمة «الخيانة» بحق المحتجين على ما يعتبرونه «سياسة تمييز عنصري تمارس ضد العرب» تعقبها مشاهد اعدامات لم تخل منها المنطقة منذ عقود. وانطلق آلاف المتظاهرين من اهالي الاحواز في عدد من المدن يوم الجمعة الماضي في مشهد اعاد الى الاذهان انتفاضة العام 2005 التي تحولت وفق الاهالي الى مجزرة. وتركزت تظاهرات الجمعة والايام التي تلتها في مدينة الحميدية (تعرف رسمياً بفرج آباد)، لكن السلطات الرسمية فرضت كالعادة تعتيماً إعلامياً واسع النطاق على الاحداث شمل اعتقال شباب كانوا يقومون بتصوير التظاهرة بأجهزة الهاتف النقال. واللاعب الابرز على صعيد المعلومات المتسربة من الداخل الاحوازي هو فصائل المعارضة الاحوازية ونشطاء «الفايسبوك» الذين كانوا تبنوا الدعوة الى التظاهر تحت شعار «يوم الغضب الاحوازي». ويقول محمد الاحوازي وهو احد مدوني «الفايسبوك» ان التظاهرة خرجت «وفاءً لدماء الشهداء والجرحى وكرامة الأسرى والمشرّدين وتلبية لاستغاثات الشعب العربي الاحوازي من اجل نيل الحرية». ويؤكد عباس عساكرة الكعبي نائب رئيس اللجنة المركزية للمنظمة الوطنية لتحرير الأحواز «حزم» أن «المطلب الرئيس لسكان إقليم الأحواز العرب هو التحرر من الاحتلال الإيراني»، مشدداً على «أهمية عدم الاستهانة بقضية العرب في الأحواز لتكون مجرد مطالب بحقوق معيشية». وجاء رد السلطة سريعاً وفق ما أشار الموقع الرسمي ل «الجبهة الديموقراطية الشعبية للشعب العربي الاحوازي»، فقد ذكر أن المنطقة حوصرت عسكرياً بآليات مدرعة وقطعت الطرق العامة بين المدن الاحوازية، وتعرضت مدينة الخفاجية (تعرف رسمياً بسوسنكرد) لحصار عسكري خانق وفرض تفتيش صارم عند مداخلها. ونظمت السلطات حملة اعتقالات شرسة شملت بالإضافة الى الشباب نساء من الناشطات، اذ تم اعتقال ما يقارب 30 امرأة. ويؤكد شهود عيان من اهالي «الخفاجية» ان اشتباكات جرت في المنطقة لم تكشف السلطات عن نتائجها، فيما يتحدث الاهالي عن عشرات الجرحى. وتتفاوت مطالب القيادات السياسية الاحوازية والنشطاء المستقلين لكنها تجمع على استعادة اهالي الاحواز حريتهم. وفيما تطالب قوى سياسية احوازية يإعلان استقلال الاحواز كدولة وترفع علماً مشابهاً لأعلام العراق وسورية ومصر واليمن، تكتفي قوى اخرى بمطلب الفيدرالية الإدارية في نطاق ايران وتتفق معها قوى قومية اخرى تمثل الاكراد والآذريين وسواهم. وتتفق هذه القوى مع مطالب القوميات الايرانية المختلفة بضرورة اعتراف السلطات الإيرانية ب «حق تقرير المصير» للقوميات غير الفارسية. وتتحدث غالبية مدوني «الفايسبوك» الاحوازيين والذين ينطلقون من داخل الاحواز عن «التغيير الأخضر» في إشارة إلى حركة الاحتجاجات التي تلت إعلان نتائج الانتخابات الإيرانية، اذ رفضت هذه الحركة النتائج التي أفضت الى فوز احمدي نجاد بمنصب رئيس الجمهورية أمام منافسه مير حسين موسوي. ويطرح هذا التوجه لشباب الاحواز تساؤلاً حول مستقبل الاحواز بين الاقليم والدولة المستقلة. ولا يخفي المعارض حسن راضي خيبة أمل كبيرة بسبب ما اعتبره فشل القيادات الاحوازية في اتخاذ مواقف موحدة من مستقبل المنطقة، ما تسبب في «ضياع القضية». لكن راضي يؤكد في المقابل ان الامل ما زال معقوداً على شباب الاحواز، خصوصاً بعد انتفاضة نيسان (ابريل) 2005 التي نقلت قضية الاحواز مرة اخرى الى الصدارة ومنعت اندثارها. وتتفق عشائر الاحواز مع قواها المعارضة وشباب «الفايسبوك» على توجيه اتهامات للسلطة الإيرانية بانتهاج سياسة عنصرية تجاه مواطنيها العرب تحديداً. وتستند تلك الاتهامات الى «ممارسات سلخ الهوية العربية للمناطق التي يقطنها العرب وفرض ثقافة التفريس القسري من خلال تغيير أسماء المدن وأسماء شوارعها، بل حتى أزقتها إلى أسماء فارسية إلى جانب رفض السلطات افتتاح مدارس باللغة العربية ومحاولة تغيير الوضع الديموغرافي للمنطقة». وتقول منظمة العفو الدولية ان «التقارير والمعلومات تشير إلى أن السلطات الإيرانية تصادر مساحات شاسعة من الأراضي بهدف حرمان العرب من أراضيهم. ويبدو أن هذا يندرج في سياق استراتيجية غايتها نقل العرب بالقوة إلى مناطق أخرى مع تسهيل انتقال غير العرب إلى خوزستان»، وهو الاسم الفارسي للاحواز او «عرب ستان». ويشكو الاهالي من التهميش على صعيد المناصب الحكومية المهمة في الدولة وضعف التمثيل البرلماني لهم، وعدم تكافؤ فرص العمل التي تمنح لهم مقارنة بالمواطنين الفرس، ويتهمون السلطة باستنزاف خيرات الإقليم لمصلحة مشاريع التنمية خارج حدود الإقليم الذي يقع ما يقارب 50 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، فيما تطفو منطقة الاحواز على نحو 90 في المئة من ثروة النفط الايراني. وفي حزيران (يونيو) 2005، وقف مدير مؤسسة الأحواز للتعليم وحقوق الإنسان، كريم عبديان، شارحاً محنة أهالي الأحواز أمام الأممالمتحدة في جنيف، وقال «إنهم مهمشون ويعانون نقصاً في مياه الشرب والكهرباء والهاتف والصرف الصحي». وأشار الى أن خمسين في المئة من الاهالي يعيشون في فقر مدقع، في حين أن 80 في المئة من الأطفال يتعرضون لسوء التغذية. وساهم هذا الواقع في شكل كبير بتكريس الإحساس بالاضطهاد العرقي تحت مفهوم «الدونية تجاه الأعراق غير الآرية» الذي يتداوله مثقفون فرس. ويرتكز 87 في المئة من اقتصاد إيران على اقتصاد منطقة الاحواز بصورة أساسية، حيث تنتج المنطقة 85 - 90 في المئة من النفط الإيراني، و 78 في المئة من الغاز إلى جانب الثروة المائية والثروة الزراعية، إلا أنها تعد من أكثر المناطق الإيرانية فقراً. وتصاعد غضب الشعب العربي في ايران نابع من خلفيات ديموغرافية - طبقية في آن واحد، فالاهالي يتعرضون لاضطهاد عرقي افرز واقعاً طبقياً لا يمكن التغاضي عنه في النهاية على ما يؤكد ناشط أحوازي. وتعد انتفاضة 2005 نقلة نوعية على مستوى الاحتجاج الاحوازي، فللمرة الاولى تتخلى جماهير الاحواز عن مفهوم القبيلة والانتماء المناطقي وترتقي وفق المثقفين الاحوازيين إلى «مفهوم الاحواز شعباً وأرضاً وثقافة»، كما رفع علم دولة الاحواز الذي يتكون من ألوان الاحمر والابيض والاسود بنجمة خضراء واحدة، في العلن للمرة الاولى. والاحواز وفق سكانها هي حكاية شعب وثقافة طواها نسيان الدولة الشمولية الإسلامية الفارسية بامتياز يحدها من الغرب العراق، ومن الجنوب الغربي الخليج العربي والجزيرة العربية، ومن الشمال والشرق والجنوب الشرقي جبال زاجروس الشاهقة والفاصل الطبيعي بين الأحواز وإيران. وتبلغ مساحة الأحواز نحو 72000 ميل مربع ومدنها الأساسية هي العاصمة الأحواز وعبدان والمحمرة فيما يبلغ تعداد سكانها وفق مصادر المعارضة، التي تؤكد أن لا وجود لإحصاء رسمي دقيق وشفاف لتعداد السكان العرب في الإقليم، ما بين 8 و10 ملايين نسمة، في حين أن التقديرات الحكومية تشير إلى أن تعداد عرب الاحواز بلغ 1,841،145 نسمة وفق إحصاءات 2006. وينتمي سكان المنطقة إلى قبائل عربية تعد بغالبيتها امتداداً للقبائل في جنوب العراق، ما يبرر اللهجة العراقية الواضحة في حديث الاهالي، وميولهم نحو العراق كوجهة ثقافية وروحية. ويمتد تاريخ الأحواز كإمارة مستقلة حتى سنة 1925 حين احتل رضا شاه بهلوي المنطقة عسكرياً ونقل الشيخ خزعل الكعبي أمير إمارة الاحواز الى الأسر في قلعة طهران، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وانتهت الاحواز ودخلت في شبه غيبوبة منذ ذلك التاريخ. إلا ان محاولات بعض أبنائها لاستعادة حقوقهم عادت، واليوم نشهد مرحلة جديدة من التحرك الجماهيري يقودها شباب من جيل مختلف.