"مترو" هي صحيفة إيرلندية مجانية ارتبطت صباحاتي بها وبالإيرلندي العجوز الذي يناولني إياها كل يوم بعد أن يتبادل الضحكات والتحايا معي ومع ابني في طريقنا للمدرسة. لا أعرف اسم الرجل ولم يخطر لي أن أسأله عن اسمه، علاقتي به مرتبطة بالصحيفة فقط وبتلك الابتسامة الجميلة والأمنيات بنهار سعيد، ابني يسميه "عمو تشيلسي" لأنه دائما يتهم ابني بأنه مشجع متعصب لنادي تشيلسي نسبة إلى لون المعطف الأزرق وكذلك القبعة التي يرتديهما ابني كل صباح وهو نفس لون شعار النادي الإنجليزي العريق. في أحد الأيام تغيب ابني عن مدرسته لعارض صحي فلم أستلم نسختي من الصحيفة من الرجل العجوز. تفاجأت في اليوم التالي وإذ به يستوقفني ليسأل عن ابني ثم يسلمني نسختين من "مترو"! نسخة اليوم ونسخة العدد الذي فاتني بالأمس! لقد احتفظ لي بالصحيفة مع أنني لم أطلب منه ذلك. شكرته كثيرا وقدرتُ له فعله الكريم. ربما يعتبره البعض تصرفه عادياً، لكن هذا الرجل يمر عليه في اليوم العشرات والعشرات من المارة في طريقهم لأعمالهم ومع ذلك يكاد يعرفهم جميعا ويميزهم كبارا وصغارا. عجباً كيف لعلاقةٍ وطيدةٍ كهذه أن تنشأ وتزدهر ورأس مالها صحيفة وابتسامة فقط دون تبادل أسماء ولا عناوين اتصال؟ علاقةٌ تستمر وتزدهرُ في الأيام المشمسة والماطرة على حد سواء. نحن البشر لا يمكننا أن نعيش في جزر معزولة. نظل دائما بحاجة إلى التواصل مع أشخاص آخرين من حولنا. أشخاص ليس بالضرورة أن تُبنى علاقتنا معهم على أساس مصلحة أو منفعة! علاقة إيجابية مجردة من كل شيء سوى المحبة والاحترام والوفاء! علاقة لا تتأثر سلبا بالمصالح الشخصية والتقلبات المزاجية! هذا هو حقا ما نحتاجه.