سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحداث رمضان تجدد فقه النهضة إشاعة فقه النهضة وفتح باب الحوار مع الشباب واستيعابهم والدخول في خيارات التنمية، هو ما ينبغي إثارته في كل أطروحاتنا حول مشاكل الشباب وغيرهم، وأعتقد أن هذا هو ميدان العمل والإنتاج لنخبنا المثقفة
لكل منا غراسه في رمضان، فاختر لنفسك ماذا تغرس.. وفي أي أبواب الخير تبذل.. حيث يتضاعف الأجر والثواب.. كن أنت الأقوى والأكثر عطاء.. وبادر لتكون السند المغيث لكل من يطلب مساعدتك وبرك. ورمضان فرصة لأن نتعلم الكثير عن الإسلام وتضحيات رجالاته على مر العصور وأسباب تمكن نهضتهم وحضارتهم. رمضان يعلمنا أن هذا الدين العظيم جاء من أجل مقاصد عظيمة يجب أن يتعلمها كلّ مسلم ومسلمة، هي حفظ الضرورات الخمس، التي يُسميها العلماء مقاصد الشريعة: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، وما فتئ العلماء يبنون الأحكام على هذه المقاصد العظيمة، فلما غاب العلم وتفشى الهوى والجهل وكثرت الشبهات، ظهرت الفتن والهرج والقتل، دون مراعاة لهذه المقاصد. ومن أجل ذلك فإن كل عمل تخريبي يستهدف الآمنين مخالف لأحكام شريعة رب العالمين، التي جاءت بعصمة دماء المسلمين، فكيف إذا كان ذلك في بلد مسلمٍ آمن، بل هو مهبط الوحي والرسالة والنور الذي يشع في جنبات الأرض كلها! لا شك أن ذلك أشد حرمة بإجماع علماء المسلمين، فضلا عمّا في ذلك من هتك لحرمة الأنفس والأموال المعصومة، وما حدث في الحادث الإرهابي الذي وقع في منفذ الوديعة وشرورة واستشهد فيه أربعة من رجال الأمن ومقتل منفذي الهجوم من المطلوبين أمنيا لمؤلم حقاً، وعمل غادر من قبل فئة ضالة لم تراع حرمة قتل النفس وعظمة شهر الصيام، ولا يوافق عليه لا شرعاً ولا عقلاً، عجباً أين يذهب هؤلاء إن كانوا مسلمين بآية صريحة يقول الله تعالى فيها: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً)، "ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" كما قال (صلى الله عليه وسلم) (النسائي والترمذي)، ولا يزال المسلم في فسحة في دينه ما لم يصب دماً حراماً. في لقائنا الأسبوعي مع أمير منطقة تبوك فهد بن سلطان وأثناء خروجنا من المصلى بمعيته ساره مواطن فتنحيا جانباً ومكثا زمنا يتحدثان في أمر أهم ذلك المواطن. وبعد دقائق تحدث الأمير عما أخره، وهو تباحثه في شأن عودة أحد أبناء ذلك المواطن كان قد توجه إلى مناطق تشهد صراعاً. وتحدث بألم عن استمرار عدد من الشباب الغض في الذهاب لمواطن النزاعات وتعرضهم للخطر وإقلاق عيش أسرهم وذويهم في البحث عنهم وتخليصهم. راق لي تفهم الأمير لقلق أحد المواطنين على ابنه وراق لي فرصة الاستماع الحر والباب المفتوح، وثقة المواطنين في طرق الأبواب الرسمية لمعالجة معضلات تقف في وجه عودة أبنائهم من مواطن تلك النزاعات. الشباب هم الطاقة المحركة لعجلة الأحداث، وهم الفتيل المشتعل في قلب المجتمعات، وهم المعوّل عليهم في النهوض الحضاري.. فتارة يكونون صبغة نور، ومعول بناء، ومحرك خير، ووقود إنتاج. وتارة يكونون على النقيض من ذلك. إلا أنهم دائما وأبدا يبقون الثروة الحقيقية لكل أمة، بل هم قلب الأمة النابض بالحياة، المسيّر لعجلة النمو والبناء فيها. بإجمال مبتسر، يكفي أن نشير إلى أن مسببات ذهاب بعض شبابنا لمواطن النزاعات، هي عاطفة الشباب وعنفوانهم وحبهم لنصرة المسلمين وحماسهم لرفع الظلم عن إخوانهم في الأقطار الإسلامية، ما أدى لإخفاق بعضهم في قراراتهم المصيرية لأنها أتت بعد ضعف الخلفية العلمية والمنطقية لتحليل المشكلات وعلاج الأزمات؛ فيكون تفكيره لا يخرج عن ذلك الإطار الضيق الذي يشكّل حصيلته المعرفية وخبراته الحياتية، إن فقر بيئة الشباب ونشأتهم على البعد الواحد البعيد عن المحاورة والنقاش أديا لنشوء عقليات لا تنظر للحقائق إلا من خلال النظر العاطفي المجرد. وإلى ارتهان مصير كثير من القرارات لانفعالات العاطفة. وهذا يوقع علينا مسؤولية كبيرة كأكاديميين وآباء ودعاة ومربين في استيعاب هؤلاء الشباب والنقاش الواعي معهم وتوسيع مداركهم لملابسات الأحداث من حولهم، وإبعادهم عن تبسيط الأمور العظيمة والمشكلات المزمنة دون التعمق في النظر والتحليل المنطقي ومصالح قراراتهم الشخصية ومفاسدها، ومحاولة تفريغ طاقات هؤلاء الشباب في المشاريع النافعة لهم ولأهليهم، وتشجيع اندماجهم في نفع مجتمعاتهم بالعمل التطوعي. ولقد ذكر الحافظ ابن كثير – رحمه الله – عند قوله تعالى: (إنهم فتية آمنوا بربهم) "الكهف:13"، "أن الشباب أقبلُ للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ". إن تحولات الشباب العنيفة أصابت الكثير من المجتمعات على مستوى العالم، ولكن آثارها تختلف من مجتمع إلى آخر حسب مستوى الوعي لدى الأفراد والمسؤولين في التعامل معها، وإن علاج ظواهر التطرف في المجتمعات الإسلامية تشكل أولوية لدى صناع القرار، كما أن الساسة والقادة والعلماء والمفكرين والمربين كانوا دوما يستنطقون الأحداث من أجل الوصول إلى حالة خلاص وحل ناجع للمشكلات المتجددة. لجان المناصحة أثرت تأثيراً كبيراً في محاورة هؤلاء الشباب وتهذيب عنفوانهم، ومخاطبة عقولهم وأرواحهم ووجدانهم، ووجدوا فيها من يسمع لهم ولأفكارهم. ولقد تحدثت مع بعضهم وتحدث بإعجاب للقاءاتهم بالأمير محمد بن نايف وكيف أن استقباله لهم وما قدمه لهم من مساعدات كان كالبلسم الشافي لكثير من قناعاتهم اليائسة. في عملي، تحدثت مع كثير من المراهقين الأحداث ووصلت في كثير من قضاياهم الجنائية إلى قناعات بعدم تأصل السلوك الإجرامي، وأن من الحكمة أن نسمح لهم بالتصحيح ببدائل السجون وأن نكتف في أحيان بالعقوبات التربوية بعيداً عن السجون. لقد مرت كثير من الشعوب بأزمات ونزاعات وتقاطعات عنيفة في الرؤى والتوجهات الاجتماعية والسياسية، ولكن خيار التقدم والنهضة والأمن لم يكن ضحية لهذه الخلافات، بل نجدهم يسارعون في الانسجام والاتفاق فيما يهدد حضارتهم أو يسلب تقدمهم. وهناك دول تزخر بالأعراق والأديان والخلافات المذهبية والظروف الاقتصادية الصعبة في ظل انفجار سكاني رهيب مثل الهندوالصين، ومع ذلك فقد بلغ النمو الاقتصادي في الهند عام 2003م ما نسبته 8% وهو معدل مرتفع وفق المؤشرات الاقتصادية العالمية. أما الصين فقد أنجزت خلال الخمسين عاماً الماضية إنجازات هائلة تجاوزت بذلك كل الظروف الاستثنائية؛ فقد بلغ الناتج القومي عام 2000م ألف مليار دولار، وبلغ احتياطها من العملات الصعبة 60 مليار دولار، لتحتل المرتبة الثانية في العالم، كما ودّع (200) مليون فرد الفقر خلال العشرين سنة الماضية أي ما يساوي عدد سكان أميركا مجتمعين. إن إشاعة فقه النهضة وفتح باب الحوار مع الشباب واستيعابهم والدخول في خيارات التنمية، هو ما ينبغي إثارته في كل أطروحاتنا حول مشاكل الشباب وغيرهم، وأعتقد أن هذا هو ميدان العمل والإنتاج لنخبنا المثقفة، فهل نعد فقه النهضة مشروعنا للخروج من أزمات الشباب وإشكالاتها المتعددة؟