أكد الدكتور وهبة الزحيلي إلى أن فقه التوقع من أقسام الفقه الاصيلة وليس دخيلاً، مشيراً إلى أنه يعنى بالمستقبل، وقال:فقه التوقع لا يعني علم الغيب. فهذا علمه عند الله وحده، إنما نعني الموقف الإيجابي الذي يمكن فهمه من القراءة الصحيحة للواقع واتجاهاته، مع إعمال المقدمات الواضحة للخروج بنتائج تتعلق باحتمالات المستقبل. وهو مرتبط بالكتاب والسنة، ولا يعني كما يظن البعض تفريغ الأحكام الشرعية من قوالبها، ولا يؤدي دوره إلا بتضافر الجهود ذات العلاقة بالواقعة، فيدلي كل صاحب اختصاص بما يراه في مجاله، فالطبيب الماهر هو صاحب الكلمة الفصل في قضايا الطب، وكذلك الفلكي في حساب الأفلاك والاقتصادي في قضايا المال والأعمال، ثم تعرض القضايا بتصوراتها السابقة مجتمعة من قبل الفقيه على النصوص الشرعية لينزل أحكامها على الواقعات. وأضاف الزحيلي: إنه فقه ضروري لبناء الفرد والأسرة والمجتمع وتطورهم في شتى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والفكرية، فالمجتمع الذي لا يستطيع رسم خطوات المستقبل سيغوص في هموم الحاضر، وسينحصر في ثقافة الماضي، وهذا ما تبدو عليه وللأسف الكثير من حالات مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والواقع أثبت ويثبت أن المجتمعات الناجحة هي التي تنتهج الاستشراف كأسلوب حياة. وشدد الدكتور على أن الفقيه يجب أن يكون ملماً بالأحداث الجارية، وقال: فقه الإسلام العظيم يلتزم الثوابت ويراعي المتغيرات، وثوابت هذه الشريعة تعبر عن الوحي الإلهي، فإن لم نكن على مستوى المسؤولية المنوطة بنا فلن نستطيع إثبات جدارتنا بتحقيق عالمية وفقه التوقع موجود منذ القديم فالإمام أبو حنيفة تميّز بهذا الفقه وقد أصاب حينما قال "نستعد للبلاء قبل وقوعه". ولكن كيف نستعد للبلاء فحال الأمة منذ عقود من الزمن، وأحكام الله معطّلة وأجزاء عديدة من بلاد الإسلام محتلة؟ فأرض الإسراء والمعراج تئن تحت أقدام يهود يسومون أهلنا فيها شتى أصناف التعذيب والتنكيل وهناك تقتيل في العراق وأفغانستان والشيشان وغيرها. ومضى الزحيلي قائلاً: البلاد الإسلامية ممزقة ومشتتة، وثروات الأمة مهدورة ، وهناك حرب على الإسلام والمسلمين من الكافر المستعمر الذي فرض علينا هيمنته الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية. إنها مصائب كثيرة تعانيها الأمة الآن، فهل حُلت قضايا المسلمين ومشاكلهم واستقر لهم الحكم بما انزل الله وتحررنا من القيود والأغلال وعادت الأمة إلى مكانتها الطبيعية التي ارتضاها لها الله وغدت خير أمة أخرجت للناس حتى يستعد هؤلاء للبلاء القادم؟ أبو حنيفة رحمه الله كان يعيش في ظل دولة الخلافة فكانت القضايا والمشاكل محسوم أمرها فرأى بالبحث في ما هو مستقبل، رغم أن الإمام مالك رحمه كان يرى خلاف ذلك ويقول: "دعها حتى تقع" في كل مسألة يسأل عنها ولما تحدث بعد. وختم الزحيلي بالقول: لذا من الأفضل للعلماء الذين يبحثون قضايا قد تحصل مستقبلاً أن يجتمعوا لمناقشة قضايا اليوم وما أكثرها. فالأمة الآن في حاجة ماسة لطاقات أبنائها وخاصة من هم من أهل العلم لحل مشاكلها ودفعها نحو نهضتها الصحيحة.