يواجه مشروع تحول مجلس التعاون الخليجي، إلى اتحاد بعض التحديات، أبرزها الدخول في إطار "فيدرالي"، وتشكيل برلمان خليجي منتخب موحد، وتوحيد الجنسية، وجوازات سفر المواطنين الخليجيين، بالإضافة إلى توحيد الجزاءات والقوانين العدلية، وتوحيد سياسات العمل. وتكمن فوائد الاتحاد التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في تعزيز مكانتها دولياً، مما سيعود عليها بالثقل من حيث القرارات في المحافل الدولية، كما سيساهم في استقرارها الأمني والحد من المخاطر الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى نمو في اقتصادياتها والحد من البطالة. "الوطن" فتحت هذا الملف من جديد، على خلفية قول وزير الخارجية الكويتي صباح خالد الحمد الصباح الأسبوع الماضي، والذي تترأس بلاده الدورة الحالية في المجلس الخليجي، إن "المشاورات قائمة، وبشكل مكثف، حول التحول إلى مرحلة الاتحاد". ومن هذا المنطلق، استنطقت "الوطن" بعض المحللين السياسيين، الذين أجمعوا أن ذلك سيعود لا محالة على المنطقة – أي الخليج – بالاستقرار. ويجمع المختصون في الشأن السياسي، على ضرورة الاتحاد، بهدف استقرار أمن دول مجلس التعاون الخليجي، وهو الذي سيلقي بالثقل على القرارات السياسية في المحافل الدولية، مؤكدين أن فكرة الاتحاد هي الخطوة الأساسية الأولى لتكريس أمن واستقرار دول المجلس الخليجي، وأنها فكرة بعيدة المدى، ليس بالضرورة أن تتحقق في يوم وليلة، لكن تدريجياً، قائلين "علينا أن نؤمن بهذه الفكرة بغض النظر عن الخلافات لتحقيق الأمن والاستقرار لدول المجلس". استشراف المستقبل عضو مجلس الشورى الدكتور زهير الحارثي يرى خلال حديث إلى "الوطن"، أن نظرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز استشرفت المستقبل، وهناك قناعة لخادم الحرمين الشريفين أنه لا يمكن أن تبقى دول المجلس، وأن تحمي أمنها واستقرارها ومكتسباتها إلا بالاتحاد، "فالملك عبدالله استشعر بأن اللحظة التاريخية يجب أن تحقق بتحول المجلس من مرحلة تعاون، إلى اتحاد. هي نظرة عميقة تعطي هذا التكتل الخليجي أهمية كبرى، بأن ينتقل من مسألة التعاون التقليدي إلى اتحاد، خاصة في عصر تكتلات لم يعد يرحم أن نبقى فرادى". التطلعات والحد الأدنى ويشير الحارثي إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي حققت الحد الأدنى لتطلعات أبناء الخليج، معتبراً أن هناك تحديات كبيرة تواجه المجلس لن تستطيع مواجهتها إذا لم تتحقق رؤية الملك في الاتحاد. وقال الحارثي "يجب أن تستوعب كل دول مجلس التعاون الخليجي أن أمنها واستقرارها يعتمد على مسألة الاتحاد، وإذا كانت دولة تعترض على هذه المسألة، فيجب أن تعلم أن أمنها جزء من هذه الدول لا يمكن أن يتجزأ من أمن باقي الدول الخليجية". التحديات الخارجية ويبين الحارثي أن هناك مخاطر جسيمة ستؤثر على هذه الدول، مبرزاً الخشية من بعض "التحديات الخارجية". الحارثي يقول "على سبيل المثال، دور إيران في زعزعة أمن دول المجلس ومحاولة عدم استقرارها، هناك تجارب أثبتت محاولات لدخول هذه الدول عبر حركات ومؤيدين وأحزاب"، من هذا المنطلق يجب التفكير جدياً في مواجهة ذلك بشكل متحد. المخاطر الداخلية يضيف الحارثي عن المخاطر الداخلية، "بالنسبة إلى ما يتعلق بالمخاطر الداخلية تتمثل بالجماعات التي داخل دول مجلس التعاون الخليجي والمدعومة من الخارج، وأنا أقصد جماعة الإخوان المسلمين الذين يمثلون خطراً على دول المجلس، وللأسف الشديد نجد أنها تدعم من بعض الأطراف. هذا يجب أن يتوقف". الخبير الأمني الخليجي الدكتور فهد الشليمي يوافق عضو مجلس الشورى السعودي في رأيه، في مسألة استقرار أمن دول الخليج والتحول إلى الاتحاد، فالمخاطر التي تواجه دول الخليج من الداخل، المتمثلة باتباع بعض أبناء دول الخليج للفكر المتطرف الإرهابي، هذا يجب مواجهته بشكل جماعي. وعلينا في الخليج أن نستفيد من تجربة برنامج المناصحة في المملكة العربية السعودية، الذي وضع حداً للتطرف وإن بشكل جزئي. التأثير في "القرار السياسي" ويرى الشليمي أن من إيجابيات تحول دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي، يخلق كياناً قوياً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، سيكون له في نهاية الأمر تأثير في القرار السياسي على المستوى الإقليمي والأجنبي. وقال الشليمي "على دول المجلس إذا أرادت أن تتحول إلى اتحاد، عليها أن تؤسس ل"فيدرالية"، تتطلب توحيد العديد من الإجراءات ابتداءً من توحيد قوانين ولوائح العدل والجزاءات، وتوحيد السياسات النقدية والمنظومة الاقتصادية وتوحيد قوانين الهجرة، وتشكيل برلمان خليجي منتخب، وتوحيد الجنسية وجواز السفر". وأشار الشليمي إلى ضرورة أن تكون القوانين واللوائح العدلية، على شقين، بحيث تكون هناك قوانين محلية للبلد وقوانين تعاونية لدول الاتحاد. وبالعودة إلى الدكتور الحارثي، فإنه يبين أن فكرة الاتحاد هي الخطوة الأساسية الأولى لتكريس أمن واستقرار دول المجلس الخليجي، حتى وإن كانت فكرة بعيدة المدى، ولن تتحقق بالضرورة في يوم وليلة، ولكن تدريجياً. يقول في هذا الصدد "علينا أن نؤمن بهذه الفكرة بغض النظر عن الخلافات الحالية، ولا شك أن أي خلاف قد يؤثر على فكرة الاتحاد، وربما أن يتكون الاتحاد تدريجياً بين دولتين أو 3 دول، إلى أن تنضم جميع دول المجلس في الاتحاد، ليس بالضرورة أن ينتظر الخليجيون اتفاق كل الدول، ولدينا تجربة الاتحاد الأوروبي، الذي لم يتشكل كما هو الآن في آن واحد". عوائد اقتصادية وبالنسبة للوضع الاقتصادي، يجد الحارثي "مشاكل البطالة" إحدى أهم المعضلات في دول مجلس التعاون الخليجي. في حال الاتحاد ستعم الفائدة على أبناء دول المجلس من خلال اتحاد الاقتصاد الخليجي الذي سيخلق فرص عمل كبيرة لأبناء الخليج، وسيفتح مجالات اقتصادية كبيرة وعديدة، "فالتركيبة الداخلية ستفتح مجالات للتعاون عدة كالتجارة والصناعة، وسيدعم نمو الناتج المحلي لهذه الدول". وقال الحارثي "إذا كان الاقتصاد قوياً فإنه سيحقق استقرارا سياسيا، كما ستلعب دول الاتحاد الخليجي دوراً قوياً في الملعب الدولي، وستعطيها ثقلها في اتخاذ القرارات السياسية العالمية". وأشار الحارثي إلى أن الاتحاد الخليجي سيشعر دول العالم أن هناك كتلة سياسية واقتصادية لها ثقلها ستؤثر في القرارات الدولية. التفاهم في القرارات وبالعودة إلى الدكتور الشليمي، فإنه يرى أن القرار السياسي، والقرار العسكري شبه متفاهم وموحد بدول مجلس التعاون الخليجي. وعملية الاتحاد تحتاج إلى وقتٍ قد يصل إلى 10 سنوات. في نهاية الأمر يجب أن تتطلع دول الخليج إلى تحقيق آمال وطموحات أبناء المنطقة. محافظ اقتصادية وعن المنظومة الاقتصادية، يفترض الشليمي تشكيل سلة اقتصادية خليجية موحدة، من خلال إنشاء محافظ اقتصادية خليجية يعمل بها أبناء دول مجلس التعاون الخليجي، تعمل هذه المحافظ والمؤسسات الاقتصادية برأسمال خليجي يستطيع أبناء الخليج العمل فيها، ومن هنا يتم القضاء على معضلة البطالة على أقل تقدير. وأشار الشليمي إلى أنه من أجل التحول إلى الاتحاد تحتاج الدول إلى توحيد سياسات العمل، وبحيث يستطيع المواطن السعودي العمل في الكويت، والكويتي في السعودية، وهكذا، في إطار المنظومة الخليجية الموحدة. توحيد الخطاب السياسي وعن الخطاب السياسي، قال الشليمي "إن الخطاب السياسي الخليجي يجب أن يكون موحداً، وأن يكون الخليجيون متفقين في الكثير من القضايا السياسية. هذا بالتأكيد سينعكس على ثقل التكتل السياسي، ويعطيه مكانةً أكبر". الوحدة الاجتماعية أما بالنسبة إلى الجانب الاجتماعي، فقد اتفق كل من الحارثي والشليمي على أن فكرة التحول إلى الاتحاد، ستخلق وحدة اجتماعية بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، وستلغي مفهوم الحدود بالمفهوم التقليدي، وسيكون هناك ما يمكن أن يخدم هذه الشعوب، وسيكون هناك انعكاس على المفهوم الثقافي والفكري والاجتماعي، كما سيخلق بيئة ومناخا جديدا لمجتمع خليجي، مؤكدين على أن مسألة الاتحاد لا تتعلق فقط في الجانب السياسي، وإنما لها جوانب إيجابية كبيرة داخل هذه الدول.