حذر خبراء اقتصاديون من مخاطر قد تواجه قيام الوحدة النقدية الخليجية في الوقت الحالي، وذلك لما يعانيه الاقتصاد العالمي من حالات اضطراب وعدم استقرار، مستدلين بالأزمة التي يعاني منها حالياً أكبر تكتل نقدي عالمي (اليورو)، ورغم أن العديد من الاقتصاديين كانوا قد توقعوا أن تؤثر «العملة الخليجية» إيجابياً على أداء اقتصاديات دول مجلس التعاون وقوتها التفاوضية أمام الجهات الدولية، إلا أن المتابعين للواقع الاقتصادي العالمي شددوا على ضرورة الاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها الدول الأوروبية، من خلال عدم التزام بعض دول الاتحاد بالمعايير والشفافية في استثماراتها، مما أدى إلى تعثرها، لتتأثر بقية دول الاتحاد، ودعوا إلى تنفيذ العديد من الإجراءات التنظيمية قبل توحيد العملة لمواجهة أي هزة اقتصادية قد تطرأ مستقبلاً. عدم تنسيق يرى الخبير المصرفي أمجد البدرة أن البيئة الحالية في الخليج غير محفزة ومهيأة للاتحاد، وقال «إن بعض الدول ترفض حتى الآن فتح فروع لبنوك خليجية في دولها، وهذا يعكس عدم التنسيق فيما بين دول مجلس التعاون على مستوى السياسات النقدية والمالية». وتساءل البدرة كيف سيكون التنسيق بين دول الخليج في حال الاصطدام بأزمات مالية، مثل التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة ومن بعدها الاتحاد الأوروبي؟. وقال»إن ارتباط الاتحاد النقدي بالدولار قد يعرض دول المجلس لمخاطر متزايدة في نسب التضخم، كما سيزيد الربط بالدولار المخاطر المؤثرة على تقلبات العملة، حيث إن النفط هو المصدر الرئيسي لإيرادات دول الخليج والتحدي الكبير الذي يقابل ذلك هو الموازنة بين الدخل والإنفاق».
إجراءات تنظيمية وأكد البدرة أنه يجب تنفيذ العديد من الإجراءات التنظيمية قبل الوحدة النقدية مثل: قيام اتحاد جمركي موحد بين دول المجلس، ووجود مصرف مركزي موحد يدافع عن اقتصاديات دول الاتحاد النقدي، ويكون بعيدا عن كل الخلافات، والتوجهات السياسية بين دول المجلس وتقلباتها، وأن تكون أرضية مستوى الدخل الفردي شبه متشابهة بين دول الاتحاد، وذلك لسهولة تمرير قوانين تشمل شريحة متشابهة وعريضة من المجتمع الخليجي في جميع دوله، ويجب ربط العملات الخليجية مع أكثر الشركاء التجاريين لكل دول المجلس. مشيراً إلى ضرورة تأسيس سلة عملات رئيسية، ليتم الربط معها حسب الشراكة التجارية وحسب قاعدة النسبة والتناسب لتفادي التقلبات السعرية النقدية للشركاء التجاريين.
إعادة نظر وأوضح المحلل المالي فهد البقمي قائلاً « في بداية عام 2000 قرر المجلس الأعلى الاتجاه إلى توحيد العملة الخليجية بحلول عام 2010، ولكن البيئة العامة وظهور أحداث متسارعة وظروف جديدة نشأت لم تكن بالحسبان، ومحاولة الاستفادة من التجربة الأوروبية التي كانت نموذجاً آنذاك، حيث بدأت فكرة التوحيد الآن مهددة بعد الأزمة المالية وتم إعادة النظر في كونها تجربة ناجحة يمكن الاقتداء بها أم لا، كلها أسباب أدت إلى عدم ظهور العملة الموحدة.
تراجع عن الفكرة وأشار البقمي إلى العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى التراجع عن فكرة قيام الاتحاد، وقال «إن تذبذب أسعار الصرف للدولار قد تكون مشكلة كبيرة اذا ما لوحظ بما حصل للدولار إبان الأزمة المالية وقضية الرهن العقاري، التي جعلت الدولار ينزف ومازال يعاني حتى الآن وسط تساؤلات كبيرة، هل ستنتهي الأزمة أم لا. ويرى البقمي أن الاقتصاد الأوروبي قائم على تفاوت جلي بين دوله، وعملة تعاني وتخشى من الركود، والاقتصاد الأمريكي يعد المورد الرئيسي للتضخم والمعدن النفيس.
سياسات نقدية وقال البقمي «إن تطبيق توحيد العملة في الوقت الحالي الذي يعاني فيه العالم من حالة الاضطراب وعدم الاستقرار، ستؤثر بشكل كبير عليها، داعيا إلى وجود سياسات نقدية تحمل قوانين وتشريعات ثابتة، وذلك لأن كل دولة لها سياسة مالية خاصة بها، وكذلك إلى ضرورة عملية التعاون في مسألة الديون والميزان التجاري والناتج المحلي الإجمالي، ومسائل التضخم، وفتح الاتحاد التجاري الحر، ومعالجة قضية الربط والاتفاق عليها ومعالجة قضية السياسات المالية المتنوعة وبناء نظام الرقابة المالية وتوحيد الإجراءات المشتركة في التبادل النقدي والاحتياطي.
ربط العملات ويؤمن المحلل المالي البقمي أن الربط بسلة من العملات، هو الحل الأمثل، مع ضرورة دعمها بالدولار ولكن بنسبة أقل مما هو عليه في ربطه الحالي وذلك لكل عملة على حدة، ويعتقد أن توحيد العملة نافع لدول الخليج، فيما لو تم وسط بيئة عالمية مستقرة، وسيعم بالنفع دول المنطقة في كونها تصبح أكثر استقرارا وذات ثقل اقتصادي قوي، إضافة إلى تسهيل عمليات الواردات النفطية للدول الصناعية واستقبال الصادرات العالمية، ومسائل التفاوض التجاري، وتقليل مبالغ الاحتفاظ للاحتياطي بالعملة الأجنبية، والتمتع بميزة استقرار أسعار الصرف، مما يؤدي إلى استقرار معدلات التضخم، وتقليل التكاليف المالية في المعاملات التجارية للمؤسسات والشركات.
أزمة اليورو وطالب المحلل المالي سعد الغامدي بضرورة تلافي حدوث أزمة لاتحاد اليورو، بالشفافية والصدق والوضوح، واعتبر أن هذا الأمر هو الأخطر في عملية الوحدة النقدية، حيث الاتحاد الأوروبي يعد مثلاً قائماً في هذه العملية وعدم التزام بعض دول الاتحاد بالمعاييروالشفافية في استثماراتها أدى إلى تعثرها وأثرت على بقية دول الاتحاد.كما دعا إلى ضرورة إتمام الوحدة للبقاء اقتصاديا، وذلك بسبب التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها دول الخليج، وإنهاء جميع العقبات الحائلة دون إتمام عملية الوحدة النقدية، وذلك بمقاربة معايير التضخم والدين العام وأسعار الفائدة بين دول الخليج.
إيجابيات عديدة وأوضح الغامدي أن العديد من الإيجابيات التي ستعود على الدول الخليجية بعد توحيد العملة مستقبلا، حيث ستحل جميع المشكلات الاقتصادية وتساعد على قدرة دول الخليج على تسويق جميع منتجاتها من بترول ومشتقاته لدول العالم، وتذليل أي صعوبات قد تنجم عن عملية التسويق وتوسيع قاعدة العلاقات الاستثمارية الاستراتيجية بين دول الخليج وبقية دول العالم التي ستزيد ثقتها في التعامل مع السياسة المالية الموحدة لدول الخليج العربي، وتابع «معدل التجارة البينية بين دول مجلس التعاون سيرتفع، ويسهل عملية التنقل التجاري بين دول الخليج، ويتوفر الفرق في سعر صرف العملة». مؤكداً أنه في حال قيام الاتحاد النقدي ستسعى البنوك الخليجية للاندماج لتكوين قوة مالية يعتمد عليها في تنفيذ المشروعات العملاقة في المنطقة، وتوفير السيولة اللازمة لجميع الفرص الاستثمارية، داعمة بذلك القطاع الخاص في تنفيذ المشروعات دون اللجوء إلى الاقتراض من البنوك الأجنبية.
ثقل سياسي وحذر المستشار الاقتصادي حسان الوطبان من تطبيق مشروع «توحيد العملة الخليجية» قبل التأكد من أن جميع الاعتبارات الاقتصادية والسياسية الخاصة في منطقة الخليج وما جاورها من دول ذات ثقل سياسي واقتصادي قد أُخذت في الحسبان، داعياً بأن يتعلم الخليجيون الدرس مما حدث في منطقة اليورو من أزمات تهدد عملتهم.وقال الوطبان «إن الأزمة الحاصلة في منطقة اليورو سببها أن الاتحاد الأوروبي كان يفتقر للدراسات الخاصة في مجالات دراسة المخاطر المحتملة والمترتبة على ارتفاع نسبة العجز المالي في إحدى دول الأعضاء، فضلاً عن ضعف تقديرات مشروع الاتحاد الأوروبي في إهماله للتوحيد في السياسات المالية، وعدم التنسيق المستمر فيما بين دول الأعضاء»، مضيفاً «لم يضع المشروع الأوروبي للعملة الموحدة أمام عينيه إمكانية المصرف الأوروبي المركزي وموقفه في حال تعرض أي دولة من دول الأعضاء للإفلاس نتيجة لأزمة عالمية»، وقال «مع الأسف الشديد، إن المشروع الأوروبي للعملة الموحدة لم يضع آلية العمل الواجب اتباعها، وذلك للحيلولة دون إفلاس دولة أوروبية من دول الأعضاء».
التزام بالشروط وأضاف الوطبان، إن «تقديرات مشروع الاتحاد الأوروبي للعملة الموحدة، افتقرت إلى آلية تلزم الدول الأعضاء بالالتزام بالشروط للانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة، والمتمثل في التزام الدول كافة بتخفيض نسبة عجز الموازنة الحكومية إلى أقل من 3 % من الناتج المحلي، ونسبة الدين العام إلى أقل من 60 %». وشدّد على أن هذه الموضوعات يجب أخذها في الاعتبار قبل تطبيق العملة الخليجية الموحدة. نبذه تاريخية في قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في ديسمبر 2001 تم إقرار إطلاق العملة الموحدة، وحددت القمة برنامجا إداريا ووجهت لجانها للعمل لتحقيق هذا الهدف في 2010م، وتم تحديد الجدول الزمني لربط معدلات صرف عملات دول مجلس التعاون بالدولار الأمريكي كخطوة أولى نحو إنشاء اتحاد نقدي، وفي عام 2004 تم إنشاء وحدة متخصصة لمشروع الاتحاد النقدي تنفيذاً لتوجيه المجلس الأعلى في قمة الدوحة ديسمبر 2002، كذلك تم اقتراح معايير التقارب اللازمة لقيام الاتحاد النقدي في عام 2005، والتي بمقتضاها تم وضع أسس تحديد أهلية الدول الأعضاء للانضمام إلى العملة الموحدة، وقد كانت معايير التقارب هي نفس المعايير التي تبنتها دول الاتحاد النقدي الأوروبي. وتوصلت اللجان إلى اتفاقية الاتحاد النقدي التي أصبحت مدخلاً وإعلاناً رسمياً لقيام الاتحاد وتحديد الحد الائتماني للمؤسسات التي يقوم عليها مجلس الاتحاد النقدي والذي بدوره يتحول لبنك مركزي يكون مسؤولاً عن إصدار العملة . أهداف المجلس النقدي يهدف المجلس النقدي، بصفة أساسية، إلى تهيئة وتجهيز البنى الأساسية المطلوبة لقيام الاتحاد النقدي، وعلى الأخص إنشاء البنك المركزي وإرساء قدراته التحليلية والتشغيلية، وتشمل المهام المنوطة بالمجلس لتعزيز التعاون بين البنوك المركزية الوطنية ولتهيئة الظروف اللازمة لقيام الاتحاد النقدي، وتهيئة وتنسيق السياسات النقدية وسياسات أسعار الصرف الوطنية إلى حين إنشاء البنك المركزي، ومتابعة الالتزام بحظر إقراض البنوك المركزية الوطنية الجهات العامة في الدول الأعضاء، ووضع القواعد اللازمة لتنفيذ ذلك، ثم يحدد الإطار القانوني والتنظيمي واللوجستي اللازم لقيام البنك المركزي بمهامه بالتعاون مع البنوك المركزية الوطنية.ويتم تطوير الأنظمة الإحصائية للبنك المركزي لتمكينه من القيام بمهامه، والإعداد لإصدار أوراق النقد والمسكوكات النقدية للعملة الموحدة، والعمل على وضع وتطوير إطار عمل إصدارها وتداولها في منطقة العملة الموحدة، خاصة بعد أن يتم التأكد من جاهزية نظم المدفوعات ونظم تسويتها للتعامل مع العملة الموحدة. وتلتزم الدول الأعضاء بالتشاور مع المجلس النقدي فيما يتعلق بأي تشريع مقترح يتعلق بالاتحاد النقدي.