د. جميل الصعب الجهود التي يبذلها رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون عبدالرحمن الهزاع تبدو واضحة وإن كانت بطيئة جدا، وكل المؤشرات تقول إنه يحارب ويقاتل لترتيب التلفزيون من الداخل، وليس أدل على ذلك من اختياره الموفق للدكتور عبدالله الحمود نائبا له لشؤون التلفزيون.. لكنني أعتقد جازما أن جميع هذه الجهود لن تقود إلى نتيجة حقيقية يلمسها الجمهور طالما لم يكن هناك هيكل برامج يومي مميز ومختلف عن رحلة السنوات الصعبة التي أضاعت جمهورا واسعا وعريضا لصالح قنوات أخرى. السؤال الأهم الآن هو لماذا فقد المواطن السعودي ثقته بتلفزيونه الوطني؟.. نعم هو سؤال كبير يطرح نفسه على الجميع، والقياديون بهيئة الإذاعة والتلفزيون هم أول المدعوين للإجابة عنه بكل شفافية ومصداقية.. فهدفنا جميعا هو أن يكون التلفزيون السعودي الممثل الأول لجمهور بلاده، وعلى أمل أن يخرج من حالة العزلة التي وجد نفسه فيها. الحديث دائما لن ينجح ما لم يكن عن خطط التلفزيون وتوجهاته، وبشكل خاص الحديث عن برامج الفورمات المؤثرة عالميا بالإضافة إلى الدراما كمحرك أساس في حياة الناس اليومية؛ حيث إنهما العاملان الأهم في جذب اهتمام أي جمهور يتابع أي تلفزيون منوع، وبالتالي اتخاذ قرار المتابعة أو المقاطعة لأي قناة يعتمد على برامجها والدراما التي تقدمها. بالنسبة للبرامج التلفزيونية.. في جميع القنوات المهمة وذات الحضور الجماهيري نرى بوضوح أنهم يعتمدون على عدد محدد ومركز من البرامج، يسخرون لها كل إمكانياتهم المادية والتمويلية لتظهر هذه البرامج مبهرة للجمهور الذي يتابعها ويتفاعل معها بكل شغف، وهذا ما يتم عالميا.. لكن ما الذي يحدث في تلفزيوننا الوطني؟.. ولماذا يبدو وكأنه لم يكتشف بعد أهمية هذا التوجه؟!.. ربما ليس هناك إيمان لدى القائمين على تلفزيوننا الوطني بأهمية الفورمات البرامجية العالمية، وربما أن هناك شعورا أنها قد لا تناسب بلادنا، وفي الحالتين فإن الإجابة واضحة تماما، حيث إن هذه البرامج موجودة بالآلاف وفيها الكثير من الأفكار التي تتوافق معنا ومع ديننا وقيمنا ويمكننا الاختيار بين مئات من هذه البرامج التي أثبتت نجاحاً عالمياً وهي لم تنجح إلا بعد دراسات وتجارب وهي أيضا نتاج أفكار إبداعية خلاقة. نحن كمشاهدين نحمل في داخلنا حنينا أصيلا وقويا لتلفزيوننا، ونشتاق لرؤيته ناجحا ومغامرا أيضا في تغيير خرائطه وهياكله البرامجية والدرامية، وأقصد هنا جرأة التغيير من الكليشات القديمة التي لا يقبلها شبابنا وبناتنا اليوم ويطالبون دائما بالتغيير.. فبلادنا لم تحول هذا الجهاز الأهم إلى هيئة مستقلة للإذاعة والتلفزيون إلا لأنها ترغب بالتغيير وإن لم يشعر من يديره بالمرونة فيجب أن يصنعها بنفسه ويحارب من أجل هذا التغيير الذي أصبح شرطا وفرضا. يبث التلفزيون السعودي أربعين برنامجا تلفزيونيا وأكثر، وهذا رقم خرافي وغريب ومانع للإبداع لأنه لا تستطيع قناة تلفزيونية، مهما كانت إمكانياتها، التعامل معها بجودة عالية إطلاقاً، فالأفضل والأهم والأجمل هو التركيز على عدد محدود جدا من البرامج المميزة والصرف عليها بشكل إنتاجي ضخم ومميز. التلفزيون السعودي يجب أن يكون من المنافسين المؤثرين فلدينا نجومنا وتراثنا وتاريخنا، ونحن بلد مؤثر من خلال توظيفه الدراما المحلية والخليجية، فهي عنصر جذب تطارده الفضائيات وتتخاطفه، ولن ننسى ما حدث مع "طاش" ومع "سكتم بكتم"، ورحيلهما لقنوات أخرى، ونرجو ألا يحدث مع "كلام الناس" أيضاً لأن الدراما والكوميديا المحلية تبقى الجانب الأهم من المعادلة، لأنها العنصر الأكثر جذبا للناس، وهذا ما يبرر تخصيص قنوات عربية لها شعبيتها الكبيرة، مثل قنوات mbc ودبي وأبوظبي لستة مسلسلات يوميا، فالدراما تبقى دائما العنصر الأهم في النجاح.. وما يميز التلفزيون السعودي عن باقي القنوات الأخرى أنه الحاضنة الحقيقية لقيم العائلة التي تخلت عنها الكثير من المحطات، فالناس يحبون الدراما المحتشمة والعائلية وقد كان التلفزيون السعودي من الأوائل عندما أطلق الدراما العائلية وقلده كثيرون بعد أن أدركوا أهمية هذه الدراما في حياة الناس، حيث قرروا أن يلحقوا بالركب قبل أن يتم سحب البساط من تحت أقدامهم.. لكن التلفزيون السعودي عاد وتخلى عن الدراما العائلية في خطوة غير مفهومة وغير مبررة، مما أعطى المجال للقنوات الأخرى لفرض قوانين جديدة أبعدت التلفزيون السعودي عن ساحة المنافسة الحقيقية. لا بد من مرحلة تغيير تبدأ بإيمان رئيس الهيئة ونائبه بضرورة أن يستعيد التلفزيون السعودي دوره في قيادة قاطرة الدراما العائلية التي صار الناس يتمنون عودتها محتشمة ومحافظة على القيم التي تربوا عليها مع التلفزيون السعودي، لكنهم وللأسف بدؤوا يفقدونها ويشتاقون لها مع قنوات لا يهمها أكثر من العائد المادي حتى لو ضاعت أخلاق وقيم المجتمع، ولعل الأمر الملكي الكريم الذي وجه بتشكيل فريق متخصص يشرف على المحتوى الأخلاقي في الإعلام التقليدي والإعلام الجديد يدق ناقوس الخطر ويعبر عما ما تشعر به قيادتنا الرشيدة من مخاطر تلامس حياة الناس، وحياة الأسرة السعودية التي هي خط الدفاع الأول لنا، وارتباط هذه الأسرة الوثيق بقوة جهازنا الوطني وقدرته على استعادة مكانته للتأسيس لحالة من الوسطية الترفيهية المعتدلة.