كثير من الناس يضعون أنفسهم دائما تحت ضغط "محاسبة الذات"، ولا يستطيعون نسيان موقف أليم مر بهم، حتى ولو تسبب لهم ذلك في متاعب نفسية، ومن هؤلاء الستينية رفعة العنزي التي تحدثت عن معاناتها وقالت: "لا زلت أحاسب نفسي عن تسببي في وفاة طفلي فرحان الذي لم يكن يتجاوز عامه الخامس، عندما سقط في قدر به ماء مغلي"، وتابعت العنزي: "على الرغم من مرور ثلاثين عاما على تلك الحادثة استدعي ذلك الموقف المؤلم في اليوم أكثر من مرة، ولا أستطيع الصفح عن نفسي، وألومها دائما على التقصير". وفي حالة شبيهة تحدثت "أم خالد" عن موقف لا يغيب عن بالها، حيث تقول: "ذات يوم كنت أتسوق في أحد الأسواق التجارية، وخلال انهماكي في رحلة التسوق لم أشعر بغياب طفلتي انتصار، التي تبلغ من العمر خمس سنوات، وعندما هممت بالخروج، أدركت الأمر، فشعرت حينها بالضياع، وبعد فترة من البحث والانتظار لمحتها مع أحد الحراس وهي تبكي بشدة". وتابعت أم خالد وبدأ الحزن يظهر على ملامحها "صورة طفلتي وهي تبكي أصبحت لا تفارقني، ورغم مرور أكثر من عام على هذه الواقعة، لا زلت لا أستطيع مسامحة نفسي، بل تطور الأمر إلى درجة أنني أصبحت أخاف عليها من كل شيء، حتى بعد أن تجاوز عمرها العاشرة. "س.ع" مرت بتجربة مريرة لا يمكن نسيانها، والسبب كما ذكرت أنها رفضت الاستجابة لرأي عائلتها في أن الشاب الذي تقدم لخطبتها غير مناسب لها، وتقول: "بعد زواجي بفترة قصيرة اكتشفت بأنني لم أوفق في الاختيار، وندمت كثيرا لعدم الاستجابة لرأي عائلتي، وها أنا ذا أدفع ثمن الاختيار الخاطئ، ورغم أن الأمر انتهى بالطلاق، لا يمكن أن أغفر لنفسي ذلك، وأصبحت رهينة لتك الزيجة الفاشلة، وأستدعيها في كل حين، ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات عليها، لم أستطع نسيانها، ولا زلت ألوم نفسي حتى هذه اللحظة". في مشوار الحياة يمر الإنسان بتجارب ومواقف ليست بالقليلة تستوقفه ويستعيدها، بل ويتم التركيز على المواقف السلبية التي قد تدمر حياته، لتنعكس بذلك على بقية مراحل حياته، فماذا عن مصالحة النفس؟ وكيف يمكن للإنسان مواجهة الذنب؟ وما مدى تأثير عدم تخطي تلك المرحلة التي قد تؤثر على حياته فيما بعد؟ وهل المصالحة مع النفس أمر إلزامي لتخطي عقبة الماضي والتصالح معه؟ تقول أخصائية علم النفس ومشرفة التخطيط التربوي بتعليم القريات هلالة سالم المعبهل: "الصفح عن النفس مهم حتى يعيش الإنسان حياة طبيعية، وبعض الناس يرون أن ذلك صعب، وقد يبدو ذلك في البداية، ولكن بالصبر، والحكمة، والإيمان يمكن للمرء أن يتغلب على أحزانه وتجاربه الفاشلة المؤلمة، ويبدأ من جديد". وأضافت إن "جلد الذات ولومها المتكرر يوقع المرء فريسة للهواجس، والقلق والتوتر، وقد يتفاقم الأمر ويصل إلى الأمراض النفسية، والإنسان السوي يخطئ ويصحح أخطاءه، يؤذي ذاته، ولا يحمل وحده المسؤولية الكاملة"، مشيرة إلى أن النسيان فضيلة تساعد المرء على الحياة بأمل.