لفتت نظري قبل عدة أيام قصة "جوي"، الأميركي الذي يدفع المال سنوياً لصحيفة لوس أنجلوس تايمز لينشروا له تحيتين سنويتين يكتبهما لزوجته إيلين، التحية الأولى في اليوم الذي يصادف عيد ميلادها، والأخرى في اليوم الذي يصادف ذكرى وفاتها، كتب جوي في إحدى تلك التحايا التي نشرتها الصحيفة: عندما غادرتنا أخذتِ معكِ نور الشمس وتركت روحك الرائعة، نفتقدك كثيراً ونتذكرك في يوم مولدك. ذكرتني هذه القصة بسائق أجرة كبير في السن يدعى "ميج"، كان ميج يعلق صورة امرأة جميلة بجانب مقود سيارته، ولأن المشوار طويل فقد أثارنا حينها الفضول أنا وزوجتي كي نسأله عن صاحبة الصورة، أجابنا ميج بأنها صورة زوجته، امتدحت زوجتي جمالها وتمنت لهما حياة سعيدة، لكنها ماتت! هكذا أجابنا ميج، ثم أشار بيده إلى الجانب الآخر من العاصمة دبلن وقال: هناك كنت أقطن مع زوجتي في منطقة تمر فوقها الطائرات القادمة إلى مطار المدينة، ثم أردف قائلاً إن زوجته كانت تشتكي له طيلة الوقت من إزعاج وهدير الطائرات. ثم يقول: لم يكن أمامي حينها سوى خيارين: إما أن ننتقل من منزلنا إلى منزل آخر وهذا صعب، أو أن أقترح على السلطات تغيير مسار الطائرات كي لا تمر من فوق بيتي وهذا أصعب! عندما ماتت زوجتي تم دفنها في مقبرة قريبة من المطار! يا لسوء حظ زوجتي المسكينة، لم تسترح من هدير الطائرات في حياتها ولا بعد رحيلها. لقد حاول ميج أن يغلف عبارته الأخيرة بابتسامة، لكنها ابتسامة عجوز خبأ خلفها أصناف حزن وألم، إن حبه الدفين تجاه زوجته وشعوره بها قد امتدا إليها حتى وهي ترقد بعيدة عنه هنالك في عالمها الآخر. في رمضان الماضي جسد الفنان الكبير دريد لحام شخصية العم نجيب في العمل الدرامي السوري "سنعود بعد قليل"، عندما غادر نجيب الشام إلى بيروت بحثاً عن علاج لمرض السرطان، ضرب خلال رحلته تلك نماذج رائعة من الإخلاص والوفاء تجاه زوجته المتوفية، ظهر ذلك جلياً حين كان في كثير من مشاهد المسلسل يربط حنينه إلى منزله في الشام بحنينه إلى شجرة الياسمين التي غرستها زوجته في الماضي الجميل، كانت إشارة رمزية في غاية الجمال ودرسا ثمينا في الإخلاص والوفاء لذكرى حبيبته. لقد سقت هذه القصص من الغرب والشرق ولكن! أوليس في هدينا النبوي الكريم ما يحض على هذه القيم الأصيلة مما هو أولى وأجدر بأن يُمتثل ويُحتذى؟ ففي ثنايا سنة حبيبنا وقدوتنا صلوات الله وسلامه عليه أبلغ وأصدق معاني الوفاء لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها؛ حين لم يتزوج عليها في حياتها، بل كان إذا أتي بشيء يقول اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة، اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت تحب خديجة. نحن بحاجة لإظهار نماذج حقيقية وصور واقعية من وفاء الزوجين وإخلاصهما لبعضهما سواء في الحياة أو بعد رحيل أحدهما تاركا خلفه الآخر، هذه النماذج والصور قد تكف أيدي بعض الجبناء حين تمتد بالخيانة والغدر وسوء المعاملة تجاه نصفهم الآخر، كونوا مخلصين أوفياء لشريكة رحلة الحياة، أغدقوا عليها بالحب وكريم المعاملة وحسن المعشر، إذا كنا قادرين على إظهار مشاعرنا الجميلة فلم الانتظار حتى يحين الغد؟، لن ندركَ إيصال رسائل الحب بعد أن يفوت الأوان! لكن الفرصة لا تزال سانحة كي نوصل تلك الرسائل بأيدينا منذ اليوم!