كانت المملكة في فترة تأسيسها في عزلة عن خضم الصراعات في البلاد العربية، إلا أن مكانتها التي وصلت إليها سياسيا واقتصاديا جعلتها الأجدر بقيادة الأمن القومي العربي، هذا ما خلص إليه شبه متفقين سياسيون يوم أمس، في ندوة "المملكة والأمن القومي العربي" ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمهرجان الجنادرية 29 في الرياض. إيران من جهتها، لم تكن غائبة عن الحديث خلال الندوة، إذ اتجه السياسيون إلى نقطة واحدة، وهي أن إيران بتدخلها في شؤون غيرها سببت حرجا لسفرائها الذين طردوا من دول عدة. وأوضح أستاذ العلوم السياسية المشرف على كرسي الملك فيصل للدراسات الدولية بجامعة الملك سعود في الرياض، الدكتور صالح المانع، أن إيران تحاول الاستفادة من أي خلل في الدول العربية الهشة سياسيا، مضيفا: "طهران تدخلت في ماليزيا وخرجت بطرد سفيرها هناك، إضافة إلى عدد من السفراء الإيرانيين الذين كانوا ضحايا لتدخل بلادهم في شؤون غيرها". من جهته، أشار اللواء في المخابرات العامة المصرية سابقا سامح سيف اليزل خلال حديثه، إلى الطموحات الإيرانية في المنطقة العربية، قائلا: "من يقول إن المنطقة تزخر ب4 قوى هي: إيران وتركيا ومصر والسعودية، يجب أن يعلم أن الرياضوالقاهرة هما المحور العربي الأهم، وباتفاقهما وعلاقتهما الاستراتيجية، يجعلان من تلك العلاقة قوة ضاربة ذات طابع دولي خاص، ومأخوذ بعين الاعتبار على جميع الأصعدة"، مشددا على أنه "يجب أن تنتقل العلاقة بين البلدين من المشاركة إلى التحالف، ليس لاستهداف أحد بعينه، لكن لخدمة البلدين فقط". من جانبه، شدد الباحث العراقي المهتم بحقوق الإنسان حسين شعبان، على أن الدور الإيراني كان وما يزال مؤثرا في المنطقة، سواء سلبا أو إيجابا، وقال: "كلما كان العراق ضعيفا كلما تمدد المشروع الإيراني، في ظل غياب المشروع العربي". وأردف شعبان: "هناك مشروعان متفقان أحيانا هما المشروع الإيراني العنصري والمشروع التركي، وبينهما فراغ المشروع العربي، الذي لو كان موجودا لخلق توازنا سياسيا في المنطقة". ووصف شعبان، المشروع العربي بالمكتمل من ناحية الأدوات، إلا أن تفعيله لم يتم، عادا قلق الخليج من مشروع نووي إيراني أمرا منطقيا، كون ذلك ممكنا أن يكون له تأثير على التوازن في المنطقة، مشيرا إلى أن امتلاك السلاح يوازي استخدامه. وبالعودة إلى الدكتور المانع، أكد خلال حديثه، أن إيران نجحت في احتلال 3 عواصم عربية، وأن صنعاء هي الرابعة، ومن المحزن مشاهدتها تقترب من رغبات طهران. وأوضح المانع أن استخدام طهران للتهديد، يعد أمرا مقلقا يهدد الأمن القومي العربي، مرجعا ذلك القلق كونه صادرا من جهة ذات طابع مسلح، مبينا أن التحدي الحقيقي هو في كيفية التعامل مع مصادر التهديد خاصة ذي الطابع المسلح. وتحدث سيف اليزل عن العلاقة السعودية المصرية على مر السنين منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله إذ استرجع مقولة المؤسس الشهيرة "لا غنى للعرب عن مصر، ولا لمصر عن العرب"، مؤكدا أن وقفة الرياض مع القاهرة خلال الثورة الأخيرة كان له بالغ الأثر، لا سيما من الجانب الاقتصادي. وأضاف: "صناعة المملكة للأسلحة ليست سرا، وتصديرها لتلك الأسلحة أيضا شيء يجب أن نفتخر به، ووجود هذه البنية الأساسية في المملكة يجب أن تستغل بشراكة استراتيجية بين البلدين لصناعة الأسلحة، كون الأموال والأيدي العاملة متوافرة في كلا البلدين الشقيقين". وعن الاستخدام السلمي للنووي، أوضح سيف اليزل، أن بناء علاقة سعودية مصرية لصناعة النووي السلمي لاستخدامه في قطاعات الطب والزراعة والكهرباء وغيرها، أمر غاية في الأهمية، خاصة في ظل وجود الخبرات، وأن هذا المجال بشراكة البلدين سيكون أمرا مؤثرا، مضيفا "إسرائيل استهدفت الخبراء المصريين في هذا المجال وقتلتهم في بلاد عدة، ولدى البلدين مستقبل واعد في صناعة النووي السلمي". مشيرا إلى أن السعودية ومصر، يجب أن يعملا على البدء في الاستثمارات القومية المرتبطة بالسياسة، موضحا أن البلدين يقعان على ضفاف البحر الأحمر من الجهتين الشرقية والغربية، ولا بد أن يهتما بسلامة البحر الفاصل بينهما، لافتا إلى أن مصر لديها مشروع حيوي في السويس، يمكن أن يكون مقرا للاستثمار القومي بين البلدين، إضافة إلى أنه يقع في منطقة مهمة سياسيا. فيما أكد شعبان، أن إنكار إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني بأن تكون القدس عاصمتهم، وأن ينعموا بدولتهم أمر مؤثر على الأمن القومي العربي، مشيرا إلى أن المملكة جزء من هذا الأمن القومي المشترك بين كل دول المنطقة العربية، مضيفا: "المملكة تعلم أن الدلالة عنصر مهم في السياسة الدولية، وهنا أقصد بالدلالة أن الرياض لا بد أن تعرف ماذا تريد لرسم استراتيجية الأمن القومي العربي، كونها جزءا لا يتجزأ منه".