تكاد الثورة السورية تكمل عامها الثالث، ومع ذلك لا يزال الدم السوري يتدفق يومياً دون أن يكون هناك أفق قريب للحل، على الرغم من انعقاد الجولة الأولى لمؤتمر "جنيف 2،" التي لم تسفر عن شيء تقريباً سوى أنها جمعت النظام مع المعارضة إلى طاولة واحدة. مشكلة الثورة السورية أنها زادت تعقيداً بسبب الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة، والتي لم تتوضح أطرافها رغم مرور أسابيع طويلة على هذا الاقتتال. يقول تقرير نشره "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن الصراع بين الثوار هو التطور العسكري الأكثر أهمية في الحرب منذ تدخل حزب الله اللبناني في ربيع 2013. ولا يتضح كيف ومتى سينتهي هذا الصراع - ويبدو حالياً أن الأمر سيطول وسيكون مكلفاً وسيحقق أكبر مصالح للنظام. من يحارب من؟ في 3 يناير الماضي، اندلعت مواجهات طاحنة بين الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتحالف يضم بعض الفصائل الأكثر اعتدالاً. ويشمل التحالف الأخير مقاتلين من "الجبهة الإسلامية" و"جيش المجاهدين" و"جبهة ثوار سورية". كما قاتلت بعض القوات على الأقل من الجماعة الجهادية "جبهة النصرة" - التي صنفتها الولاياتالمتحدة منظمة داعمة للإرهاب - إلى جانب "الجبهة الإسلامية" أيضاً. وتُعتبر هذه المعارك أول محاولة جادة لوضع حد لتجاوزات تنظيم "داعش" وتجاوزاته في الشمال، كما تمثل فرصة لإعادة الثورة إلى مسارها الأكثر اعتدالاً. بالنسبة ل تنظيم "داعش" وأنصاره، يشكل القتال فرصة لإنزال هزيمة ساحقة بخصومهم المسلحين في المعارضة. أما النظام فإنه يستغل هذا الصراع لإنزال المزيد من الخسائر بالثوار واستعادة المزيد من الأراضي التي خسرها. السبب المباشر لاندلاع القتال كان سلسلة من الإجراءات المحددة التي اتخذتها داعش، والتي اعتبرتها "الجبهة الإسلامية" وحلفاؤها غير مقبولة. على سبيل المثال قتل تنظيم داعش قادة ومسؤولين من جماعات منافسة وأطلق النار على متظاهرين مناهضين له. وقد وقعت هذه الأمور على خلفية زيادة مساعي داعش لفرض قوانين إسلامية صارمة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. طبيعة الاشتباكات اندلعت معظم الاشتباكات في منطقة واسعة خاضعة لسيطرة الثوار في شمال وغرب سورية، بما في ذلك محافظات إدلب وحلب والرقة. والأمر يفتقر إلى جبهات واضحة، حيث تختلط القوات بشكل كامل على الأرض وتقع المصادمات في أماكن عديدة. وفي بعض الأماكن (مثل القلمون والحسكة)، تواصل جماعات الثوار المقاتلة التعاون في الإجراءات ضد قوات النظام حتى في ظل قتالهم لبعضهم البعض. وفي الغالب تشارك في القتال وحدات صغيرة تقاتل من أجل السيطرة على المعابر الحدودية، والمدن والقرى الرئيسية، وقواعد ومراكز الوحدات، ومواقع تخزين الأسلحة. ويستخدم كلا الجانبين أسلحة ثقيلة، بما في ذلك الدبابات ومدافع الهاون والأسلحة المضادة للطائرات. كما استخدمت داعش الهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة للهجوم على خصومها. وفي خريطة نشرتها مواقع المعارضة الإلكترونية في 18 يناير ظهر 50 موقعاً تقريباً لهجمات انتحارية قام بها تنظيم داعش. وفي غضون ذلك، ينخرط كلا الطرفين في عمليات استخباراتية لتقويض ولاء الوحدات المنافسة وجذب الدعم من السكان. وقد حقق كل فصيل بعض النجاح في هذا الصدد، مما أدى إلى وقوع انشقاقات وظهور إعلانات الدعم والتأييد وتنظيم مسيرات جماهيرية لصالح كل طرف. النتائج حققت الجبهة الإسلامية وحلفاؤها في البداية مكاسب ضخمة ضد داعش. وقد أظهر ذلك أن بالإمكان إنزال الهزيمة بهذا التنظيم. لكن تنظيم داعش أعاد حشد قواته وأعاد نشرها واستعد لقتال طويل. وبالإضافة إلى شن حملة تفجيرات انتحارية، حققت الجماعة سيطرة كاملة على مدينة الرقة والمناطق الرئيسية الأخرى في محافظة الرقة، التي تُعتبر مركز قوتها. ومع تطور القتال، بدا أن الجبهة الإسلامية وحلفاؤها أكثر قوة في محافظة إدلب، وإلى درجة أقل في محافظة حلب، بينما تنظيم داعش هو الأكثر قوة في الرقة، فضلاً عن أنه قادر على الاعتماد على مزيد من الدعم من دير الزور. وقد كانت المصادمات باهظة التكلفة بالنسبة للمعارضة. فجميع الخسائر تقع في صفوف الثوار الذين كانت مهمتهم الأساسية في السابق هي قتال النظام، وكل خسارة في صفوف الثوار في هذا الصراع الثانوي تصب بشكل مباشر في مصلحة النظام. وقد انسحبت داعش من بعض المواقع الدفاعية من أجل التركيز على خصومها، كما سمحت المصادمات لقوات النظام بتحقيق مكاسب في حلب. الدلالات والتوقعات بعد مرور ما يزيد عن أربعة أسابيع على اندلاع المصادمات، لا تلوح في الأفق أي نتيجة حاسمة. الفوز الحاسم من قبل أي من الجانبين سيكون له أثر كبير في تقرير المسار المستقبلي للثورة، ولكن القتال المطول وغير الحاسم - وهو الأمر الأكثر احتمالاً على ما يبدو - سوف يصب في صالح النظام على المدى الطويل ويدعم روايته للحرب. ورغم أن تحقيق أي من الطرفين لانتصار شامل أمر غير محتمل، إلا أن فوز "الجبهة الإسلامية" وحلفاؤها في النهاية سيكون بمثابة هبة للمعارضة الإسلامية المعتدلة والعلمانية. ولكن في حال هيمنة تنظيم داعش، فإن الدعم الخارجي للثورة سوف يتضاءل بصورة أكبر، وستزداد صعوبة محنة المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار. معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى • مركز أبحاث أميركي تأسس عام 1985. • يهدف إلى توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.