"ما يزال الناس يتذكرون اسمي وينظمون احتفالات على شرفي، وهذا الأمر يجعلني سعيدا للغاية".. هذه هي الكلمات التي دائما ما يكررها ألسيدس جيجيا، الذي أبكى أكثر من 170 ألف متفرج برازيلي، اكتظت بهم مدرجات ملعب ماراكانا في ريو دي جانيرو، وهم يشاهدون أمام أعينهم حلم الفوز بكأس العالم لأول مرة يتلاشى على أقدام لاعبي الأوروجواي، وتحديدا جيجيا الذي منح بلاده لقب 1950.. الآن وبعد مرور ستة عقود على تلك الموقعة التاريخية، عاد اللاعب الوحيد الباقي على قيد الحياة من تلك المواجهة ليتحدث لموقع "فيفا" عن تلك اللحظات، فهل يمكن أن يكون المرء شابا في سن ال87؟ الجواب واضح بالنسبة للكثيرين، ولكن "جيجيا" الذي أصبح على مشارف ال90، له رأي مغاير. بعد مرور 64 عاما، ما تزال تتذكر ذلك الهدف الذي سجلته كما لو أنه حدث في 16 يوليو الماضي؟ بالتأكيد، كنت أجري وأفكر في الوقت نفسه ما سأفعله بالكرة في غضون ثوان، سددت الكرة ودخلت المرمى بين القائم وحارس المرمى.. ما أزال أتذكر أنني فكرت في عائلتي والأصدقاء وعناق الزملاء.. لقد أهديت الفرحة لبلدي والحزن للبرازيل. هل تعدّ تلك المباراة الحاسمة عام 1950 أكبر إنجاز في التاريخ؟ لا شك؛ لأنه لم يسبق أن هُزم المنتخب المضيف في النهائي، وكنت محظوظا بتسجيلي هدفا في تلك المباراة.. لقد شاع صمت رهيب في الملعب، ودائما ما أقول بأن ماراكانا أسكتها ثلاثة أشخاص على مر التاريخ "البابا" وفرانك سيناترا وأنا! كيف كانت الجماهير في المدرجات بعد انتهاء المباراة؟ رأيت الناس يبكون.. رغم فرحة الفوز في المباراة، إلا أن رؤية ذلك المشهد في المدرجات يجعل المرء يشعر بالحزن! كانت الجماهير تبكي بحرارة وألم، ولكن هذا هو منطق كرة القدم، دائما ما يكون هناك فائز وخاسر.. في البرازيل كانوا يعتقدون بأنهم سيفوزون بالمباراة قبل أن تنطلق، وكانت عناوين الصحف جاهزة: "البرازيل تتوج بطلة للعالم"، كانوا ينتظرون فقط نتيجة المباراة. راجت الكثير من الحكايات حول تلك المباراة، إحداها تقول إن قائد الفريق "فاريلا" حفزكم قائلا "لا تهتموا لأمرهم"، هل هذا صحيح؟ تحدث ثلاثة مسؤولين أوروجوايانيين ليلة المباراة مع "فاريلا" و"ماسبولي" و"جامبيتا"، الذين كانوا الأكبر سنا في المنتخب.. قالوا لهم بأننا حققنا هدفنا والآن علينا أن نتصرف بشكل جيد داخل الملعب، وألا نفتعل المشاكل، ولايهم إذا ما خسرنا بثلاثة أو أربعة، وقد تلقينا هذا الخبر في غرف تغيير الملابس قبل دخولنا للملعب، إذ أوقفنا "أوبدوليو" وأخبرنا بما دار بينهم، وقال لنا تلك العبارة الشهيرة. وتقول حكاية أخرى، إن بعض اللاعبين بعد المباراة تضامنوا مع الجماهير البرازيلية في حزنها، هل هذا الأمر صحيح أيضا؟ "فاريلا" هو الذي فعلها.. ذهب إلى حانة في الفندق وعندها تعرف عليه البرازيليون وعانقوه وهم يجهشون بالبكاء.. هو من أخبرنا بهذا الأمر، وقال لي "ليكن في علمك أني لم أدفع الفاتورة" (يضحك) في نوفمبر الماضي، قبيل المباراة الأخيرة ضد الأردن، تم تكريمك في ملعب "سينتيناريو"، هل تحس بأنه قد تم إنصافك أنت وزملاؤك؟ بالتأكيد، احتفلت بلدي بموقعة ال50 لسنة أو سنتين، ولكن بعد ذلك تم نسيانها.. كان ذلك رائعا ومؤثرا للغاية؛ لأنهم عرضوا الهدف على الشاشة الكبيرة، واحتفلت به الجماهير، وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها أمر كهذا.. لقد سافرت كثيرا في العالم وحظيت بالتقدير في الخارج أكثر منه في بلدي.. لهذا شعرت بفرحة عارمة. مر وقت طويل على آخر هدف سجلته؟ في منزلي لدي ثلاثة أقراص رقمية للهدف الذي سجلته بصوت المعلقين الثلاثة الذين كانوا في أوروجواي في تلك الفترة، ولكن زوجتي لا تسمح لي بالاستماع إليهم؛ لأنها تقول بأنني أتأثر بذلك، وأنا أقول لها "هذا طبيعي!" لقد كنت شابا يافعا وسجلت هدفا تاريخيا وفزت بكأس العالم، ولكن مع مرور السنين تجتاحك المشاعر أكثر، لهذا يعتريني الحزن وتغرورق عيناي بالدموع.