رئيس مجموعة الحكير التجارية تعد المملكة العربية السعودية من أكبر دول المنطقة الحاضنة للعمالة الوافدة الفنية والعادية المؤهلة وغير المؤهلة، وكانت المملكة قد لجأت إلى استقبال تلك العمالة مع بواكير التنمية الاقتصادية منذ بداية الخطة الخمسية الأولى (1390- 1395) نتيجة للقفزة الكبيرة في أسعار البترول، وما صاحب ذلك من تنمية شاملة في جميع المستويات ضاعفت من مسؤوليات القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وساعد الأخير على الدخول كشريك أساسي في عمليات التنمية التي كانت وتيرتها تفوق قدرة العمالة المحلية على مواكبتها، وهنا واجه المجتمع الاقتصادي السعودي ظروفا خاصة تمثلت في الحاجة إلى الأيدي العاملة وبأعداد كبيرة لدرجة أن عدد الدول العربية وغير العربية التي كانت لها عمالة في المملكة بلغ 119 دولة عام 1414. والحقيقة أن هذه الأيدي العاملة الوافدة أدت – في معظمها- ما هو مطلوب منها، وأسهمت في تنفيذ خطط التنمية على مدى أربعة عقود خلت، غير أن الوضع الآن أصبح مختلفا فالبنية الأساسية قد اكتملت تقريبا، وأسعار البترول لم تعد بنفس معدل أسعارها آنذاك، وأعداد المواطنين تضاعفت فأصبحت السوق المحلية للعمالة تفرز من الأيدي العاملة أعدادا ونوعيات يعتد بها، وتطلب حقها الطبيعي في العمل مما دفع إلى إعادة النظر في الاستراتيجية، والأهداف المستقبلية في ظل المستجدات الحالية، والمقبلة، وفي مقدمتها بيئة فرص العمل أمام القادرين من أبناء الوطن والباحثين عن العمل. ولا شك أن هناك أبعادا اجتماعية، واقتصادية، وأمنية مترتبة على وجود كم هائل من العمالة الوافدة في المملكة العربية السعودية وغيرها من بلدان المنطقة بالرغم من التطور الكبير في حجم القوى العاملة المواطنة وتأهيلها في المملكة، وظهور بوادر البطالة بينها الأمر الذي يجعل من الضروري أن يكون الاعتماد على القوى العاملة الوطنية خصوصًا في مجتمع محافظ له خصوصية اجتماعية، وثقافية معينة. ولعل الجانب الاقتصادي هو الأهم لأن من الواضح أن وجود تلك العمالة تمثل في ظهور مؤشرات البطالة بين الأيدي العاملة الوطنية، الذين يطالبون بحقهم الطبيعي في العمل المناسب والشريف، وإبعاد شبح البطالة عنهم، فتفشي البطالة يؤدي إلى الفقر، والحرمان اللذين بدورهما يؤديان إلى ظهور حالات فساد، وتفسخ للقيم الاجتماعية، والأخلاق الفردية، وما يسببه ذلك من تخلف وانحطاط وبطالة صريحة أو مقنعة بين الشباب السعودي؛ نتيجة لمزاحمة الأيدي العاملة الوافدة للعمالة المواطنة، ومنافستها على الوظائف والمزايا الوظيفية النقدية والعينية، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية متعددة أخرى. وهذه العمالة تقوم بتحويل نحو 28.5 مليار دولار سنويا، مسببة أضرارا اقتصادية لضخامة هذه التحويلات من جانب ولكونها تمثل استنزافا لاحتياطي البلد من النقد الأجنبي، والحد من تراكم وتكوين رأسمال وطني داخل البلد سواء على مستوى الأفراد والمؤسسات، أو على مستوى الاقتصاد الوطني ككل، وبالتالي الحد من الازدهار والرواج الاقتصادي الذي بدوره يفتح آفاقا أوسع وأشمل أمام تشغيل الأيدي العاملة المواطنة. ومن المعروف أن جانبا غير قليل من هذه التحويلات يتم بأساليب لا تخضع للحصر الرسمي كإرسال مبالغ نقدية إلى بلدان الوافدين مع مسافرين إليها، أوفي شكل مقتنيات وسلع منقولة وآثار اقتصادية أخرى، إضافة إلى وجود ظاهرة أخرى تتمثل في الضغط على الخدمات والمرافق العامة، وتزيد متطلبات الإنفاق الحكومي عليها من إنشاء وصيانة، مما يسهم في زيادة أعباء الدولة، كما تستفيد هذه العمالة الوافدة بصورة غير مباشرة من الإعانات المقدمة من الدولة لمختلف السلع والخدمات التي تمثل دعما حكوميا لمستويات أجور تلك العمالة لا تتحمله المنشآت الموظفة لها، ويعتبر عبئا تتحمله الدولة. ومن ثم يجب وضع الخطط المناسبة نحو الاستفادة من العمالة الوافدة الفنية التي يحتاجها سوق العمل والتي يمكنها دفع عملية التنمية وتشجيع الاستثمار وتوظيف وتدريب الشباب السعودي للعمل، أما العمالة العادية فينبغي صرف النظر عنها مع وضع الخطط طويلة وقصيرة المدى لتشجيع الشباب على مزاولة كافة المهن الموجودة في سوق العمل، وتحفيزه على ذلك باعتبار أن العمل الشريف تاج على رأس صاحبه مهما كانت نوعية العمل والمردود الاقتصادي منه، مع ضرورة تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة عن بعض المهن في السوق الداخلي. وجعل تدريس المهن في مناهجنا ومدارسنا وجامعاتنا من الأمور المهمة لجعل شبابنا ينعم بقيمة العمل ويقدره. كما نرجو إنشاء شركات عمل سعودية لاستثمار جزء من مدخرات هذه العمالة في المملكة على غرار البنوك السعودية الأجنبية وشركات التأمين.