أكدت دراسة اقتصادية حديثة أن كثيراً من التقارير والدراسات الاقتصادية والسكانية تشير إلى أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعد من أكثر الدول عالميًا جذبًا واستعانة للقوى العاملة الوافدة، وأن هناك عوامل كثيرة أدت إلى تدفق هذه العمالة لدول المجلس. وقالت الدراسة التي أعدتها الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي إن أهم العوامل التي دفعت العمالة الأجنبية للقدوم لدول المجلس زيادة معدلات النمو الاقتصادي بنسب كبيرة ورغبة دول الخليج في الاستفادة منها في إقامة مشروعات وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية تفوق قدرة هذه الدول على توفير العمالة الوطنية اللازمة لإنجازها، بالإضافة إلى استبعاد نسبة كبيرة من السكان من قوة العمل، خصوصًا فئة النساء بالرغم من أن عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي في تزايد مستمر حتى وصل إلى أكثر من 35.1مليون نسمة عام 2006م. وأشارت الدراسة إلى أن العمالة النسوية المواطنة شكلت 14.4% من قوة العمل السعودية، وفي الكويت بلغت 38.6%، و31% في البحرين، و26% في قطر، وبينت الدراسة انه بالرغم من الطفرات الهائلة في نظام التعليم بكافة مستوياته إلا أنه عانى من عدم التناسب بين أنواع المؤهلات التي يحملها المواطنون الباحثون عن العمل وبين متطلبات سوق العمل والفرص المتاحة فيه، فضلا عن عدم رغبة العمالة الوطنية للعمل في بعض القطاعات واتجاه غالبيتها للعمل في المهن الإدارية والتنفيذية والأعمال المكتبية والعمل في القطاع العام. والاعتماد المتزايد من مؤسسات وشركات القطاع الخاص على العمالة الوافدة وخصوصًا الآسيوية منها لرخص أجورها وعدم إبداء تذمرها من ظروف العمل في أغلب الأحيان. وأوضحت الدراسة أن إجمالي عدد سكان دول مجلس التعاون في عام 2000بلغ حوالي 30مليون نسمة، ارتفع إلى 32.5مليون عام 2004أي بزيادة نسبتها 8.3% خلال أربع سنوات فقط، ثم بلغ 35.1مليون نسمة عام 2006أي بنسبة زيادة قدرها 8% أيضا خلال سنتين مما يعكس جانباً من الزيادة غير الطبيعية في السكان بسبب جلب الأيدي العاملة الأجنبية. وان نسبة غير المواطنين في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تقدر بنحو حوالي 38% في مملكة البحرين و27.1% في المملكة العربية السعودية و25.4% في سلطنة عمان و60.8% في دولة الكويت. كما تشير إحصائيات صادرة عن صندوق النقد الدولي بأن نسبة السكان الأجانب في دولة الإمارات العربية المتحدة تشكل 81.5% وفي دولة قطر 70% من مجموع السكان خلال عام 2006.أما في مملكة البحرين فقد اختل التوازن فيها وأصبح السكان الأجانب يشكلون نصف السكان تقريبًا وبنسبة 49.4% في نهاية 2007.ووفقا للدراسة فان تطور نسبة العمالة الوافدة في كل دولة من دول مجلس التعاون حسب إحصائيات الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وتقارير وزارات العمل في هذه الدول ما بين عامي 2001و 2006تشير إلى أن نسبة هذه العمالة من إجمالي العمالة في مملكة البحرين كانت 58.8% عام 2001ثم ارتفعت إلى 79% عام 2006، وفي المملكة العربية السعودية ارتفعت من 50.2% إلى 88.4% وفي سلطنة عمان زادت من 79% إلى 81.5% وفي دولة قطر طفرت من 53.9% إلى 84.8% وأخيرًا دولة الكويت زادت من 80.4% إلى 84.8%. وتشير تلك الإحصائيات بأن تطور العمالة الوافدة في دولة الإمارات العربية المتحدة بلغت أقصاها وبنسبة 90% من إجمالي القوى العاملة عام 2006.كما تشير تقديرات القوى العاملة ونسبة العمالة الوطنية وغير الوطنية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حسب مصادر منظمة العمل العربية لعام 2006بأن إجمالي العمالة الوطنية والأجنبية بلغت حوالي 14.5مليون عامل تشكل العمالة الوافدة فيها 70.3%. فيما يتعلق بنسب العمالة الوافدة حسب جنسيتها، فإن الإحصائيات توضح بأن العمالة الآسيوية هي المهيمنة على سوق العمل وتشكل 69.9% تليها العمالة العربية بنسبة 23.2%، أما على المستوى القطري فإن سلطنة عمان تستقطب من العمالة الآسيوية ما يعادل 92.4% تليها دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 87.1% ثم مملكة البحرين بنسبة 80.1% فدولة الكويت 65.4% بعدها المملكة العربية السعودية 59.3% وأخيرًا دولة قطر بنسبة 45.6%. وأضافت انه ووفقا لبعض الدراسات فإن النسبة الأكبر من العمالة الوافدة تتركز في القطاع الخاص، وتتفاوت نسبتها كمؤشر عام من دولة لأخرى، ففي الإمارات تشكل نسبتها 98.7%، فيما بلغت نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص في سلطنة عُمان حوالي 78.3% عام وفي مملكة البحرين 72.4% وفي المملكة العربية السعودية تشكل العمالة الوافدة ما يزيد على 80% من نسبة العمالة في القطاع الخاص ويزيد كذلك عن 90% في دولة الكويت وتشكل أكثر من 96% في دولة قطر. وتتركز معظم العمالة الوافدة وخصوصًا الآسيوية منها في قطاع الخدمات ومنها قطاع المقاولات والبناء والتشييد والزراعة وأعمال النظافة وتجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق والنقل والصيد والأمن والحراسة لدى منشآت القطاع الخاص، وتتصف هذه العمالة بعدة خصائص تجعلها مقبولة لدى عدد كبير من أصحاب الأعمال وشركات ومؤسسات القطاع الخاص كتدني المستوى التعليمي والثقافي وبالتالي لا يطلب أجوراً مرتفعة وتقبل العمل في ظروف لا يستطيع المواطن الخليجي تحملها أو القبول برواتبها. وأمنت الدراسة الدور الكبير الذي تقوم به العمالة الوافدة من خلال مشاركتها في عملية البناء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومساهمتها في سد النقص الكلي في العمالة الوطنية التي تحتاجها التنمية المتسارعة، إلا ان الدراسة عادت لتؤكد هناك آثار سلبية خلفتها العمالة الأجنبية التي لم تكن تخضع لخطط مدروسة ومعايير واضحة ومحددة لاستقطابها أدى لاستقرارها في هذه الدول لسنوات طويلة مما خلق العديد من الآثار السلبية على اقتصاديات ومجتمعات دول المجلس. ولعل من ابرز تلك الآثار استمرار هيمنة العمالة الوافدة وخصوصًا الآسيوية منها واستحواذها على هيكل وتركيبة سوق العمالة الخليجية خصوصًا لدى مؤسسات وشركات القطاع الخاص، وعلى سبيل المثال تستحوذ العمالة الوافدة على 60- 70% من فرص العمل في دول مجلس التعاون الخليجي، كما تسيطر نسبة 64.9% من إجمالي فرص العمل في مملكة البحرين، وهناك 80% من إجمالي القوى العاملة أجنبية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى تفاقم مشكلة البطالة بين مواطني دول المجلس، بسبب منافسة العمالة الوافدة للقوى العاملة الوطنية في سوق العمل وبلغت كمتوسط عام حوالي 5.7% على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وتتفاوت نسبة البطالة من دولة لأخرى ويبلغ المتوسط العام للبطالة في مملكة البحرين 6.3% وفي المملكة العربية السعودية 6.05% وحوالي 1.5% في دولة الكويت، و2.3% في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر فيما تشير بعض التقارير أن معدلها يبلغ 14% في سلطنة عمان عام 2006من بين تلك الآثار أيضا زيادة التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى بلدنها، حيث بلغت هذه التحويلات خلال الفترة 1975- 2002أكثر من 413مليار دولار من دول المجلس ، موزعة بين المملكة العربية السعودية بنحو 260مليار دولار، الإمارات بنحو 65مليار دولار، الكويت بنحو 29مليار دولار، عُمان بنحو 26مليار دولار، قطر بنحو 23مليار دولار، وأخيراً البحرين بنحو 11مليار دولار، كما أن حجم تحويلات الأجانب في دول الخليج بلغت نحو 38مليار دولار عام 2006كان نصيب السعودية منها 63% من إجمالي التحويلات، وفي الإمارات نحو 15% تقريباً، وفي باقي دول المجلس 22%، وهناك تحويلات تمت بصورة غير رسمية بلغت عام 2006حوالي 10مليارات دولار بالنسبة لدول المجلس الست مجتمعة. وتشكل هذه التحويلات استنزافًا للمزيد من موارد دول مجلس التعاون وتسرب مخزون كبير من العملات الأجنبية الصعبة إلى خارج بلدانها، وهو الأمر الذي يقرره المراقبون بالتأثير السلبي عاجلاً أم آجلا على موازين مدفوعات دول المجلس لما يمثله من استمرار نزيف مدخرات اقتصاديات دول المنطقة وفرصًا ضائعة للاستثمار، وعدم إمكانية إعادة توظيف الأموال في الدورة الاقتصادية لهذه الدول. وبينت الدراسة أن بين الآثار السلبية لوجود العمالة الوافدة في دول المجلس زيادة الضغط على السلع والخدمات حيث تحصل العمالة الوافدة وأسرهم على خدمات التعليم والصحة واستخدام المرافق العامة دون مقابل أو بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم من دول المجلس لكثير من الخدمات مما يؤدي إلى زيادة النفقات العامة وهو الأمر الذي يساهم في ارتفاع العجز في الموازين العامة لدول مجلس التعاون والحد من قدرتها على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والخريجين الداخلين لسوق العمل، الى جانب إعاقة برامج تنمية الموارد البشرية في ظل تزايد أعداد العمالة الوافدة وإغراق أسواق دول التعاون من هذه العمالة التي تقبل العمل بأجور متدنية، وهو الأمر الذي يحد من تشغيل المواطنين ويحرمهم من فرص تطوير قدراتهم ومهاراتهم العملية وعدم الاهتمام بالتدريب والتعليم وإعادة التأهيل. وتزايد الضغوطات الدولية على دول المجلس سواء من قبل منظمة العمل الدولية أو المنظمات المعنية بحقوق العمال وتوجيه اتهاماتها بانتهاك حقوق العمال وممارسة التمييز وضرورة تحسين أوضاعها والسماح بتجنيس بعضها، وهو ما أوقع دول المجلس أمام تحديات وخيارات صعبة لمواجهة تلك الضغوط والاستجابة للتداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبطالة في صفوف المواطنين. وإثارة الاضرابات العمالية والإضراب عن العمل والقيام بأعمال تخريب وحرق للممتلكات العامة والخاصة، كما حدث مؤخرًا في دولة الإمارات العربية المتحدة وتحت عناوين مختلفة ومنها المطالبة بتحسين الوضع والأجور. وأكدت الدراسة أن هناك مشاكل اجتماعية كثيرة ومتنوعة بسبب هذه العمالة الوافدة تؤثر على وحدة المجتمعات الخليجية وتماسكها فكثير منها تتمايز دياناتها وعاداتها وتقاليدها وثقافاتها، مما يساهم في تفاقم معدلات الجريمة بين صفوفها وانتشار حالات الانتحار وارتكاب جرائم السرقة والتزوير وغيرها. وأوضحت الدراسة ان عدداً من دول المجلس انتهجت عدداً من السياسات للحد من الآثار السلبية للعمالة الوافدة رغم إدراكها التام بالحاجة المتنامية للتوسع في مشاريع التنمية والبنية التحتية التي تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي، وفي ظل التزايد المستمر للاستعانة بالعمالة الوافدة ومعرفة دول التعاون بمدى الآثار السلبية على بلدانها اقتصاديا واجتماعيًا وتنمويًا، لذا أدركت أن الأمر يتطلب وضع رؤية خليجية لمواجهة قضية العمالة وتطوير التعاون الفني والتقني البيني وتحديث مناهج التعليم على كافة المستويات لربط التعليم باحتياجات السوق والتنمية في الدول الخليجية، وأصبح موضوع العمالة على رأس الموضوعات المطروحة بقوة في اجتماعات وزراء التخطيط والتنمية ووزراء العمل كما قدمت الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في هذا المجال مقترحات تتعلق بكيفية تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، وكيفية وضع الاستراتيجيات والأسس لتوطين الوظائف،كما تسعى دول مجلس التعاون الخليجي حالياً إلى دراسة مشروع الخطة الإرشادية الموحدة لإنشاء نظام نموذجي موحد لمعلومات سوق العمل الخليجي وهي بصدد إعداد دراسة حول البطالة بدول المجلس ووضع الشروط المرجعية لها وتحديث البيانات الإحصائية اللازمة لإعداد هذه الدراسة. وبالرغم من تلك الجهود، إلا أنه يمكن القول بأن مجلس التعاون لا زال يفتقر إلى وجود إستراتيجية شاملة يمكنها أن تحد من تفاقم مشكلة البطالة، وهو الأمر الذي ينسحب على معظم دول المجلس. وأوصت الدراسة بأهمية قيام دول المجلس بوضع إستراتيجية تعاونية شاملة ومتكاملة وتشتمل على الخطط الزمنية والإجراءات العملية ذات الرؤية الواضحة والجادة في التنفيذ، تستهدف الحد من تدفق العمالة الوافدة وإحلال وتوطين العمالة الوطنية بدلاً منها.والاهتمام بأساليب تخطيط القوى العاملة وربطها بخطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقًا لأولوياتها المستقبلية، وتكوين أجهزة متخصصة لتجميع إحصائيات سوق العمل والمعلومات المرتبطة بالموارد البشرية. وزيادة كلفة العمالة الوافدة بصورة متوازنة مع توسيع وتطوير برامج التدريب والتأهيل للعمالة الوطنية في كافة المهن وذلك بغرض الإحلال التدريجي للقوى العاملة الخليجية محل العمالة الأجنبية. تحديد فترة زمنية لبقاء العامل الأجنبي في البلد منعًا لتوطينها مستقبلا . كما دعت الدراسة الى فتح أسواق العمل أمام العمالة الخليجية ومعاملتها المعاملة المحلية.إنشاء المزيد من المشاريع التنموية والمشاريع المشتركة القادرة على استقطاب العمالة الخليجية إليها خاصة على صعيد الرواتب والأجور وظروف العمل.وتشجيع القطاع الخاص على تفضيل العمالة المحلية من خلال وضع وتطبيق نظام للحوافز من شأنه أن يشجع القطاع الخاص على الاستعانة بالعمالة المواطنة.الاهتمام ببرامج التدريب وإعادة تأهيل القوى العاملة الخليجية بما يتواكب ومتطلبات واحتياجات السوق.الإصلاح المستمر للنظام التعليمي وتطوير مناهج وبرامج التعليم وتحسين مخرجاته بما يتلاءم واحتياجات سوق العمل.إعداد دراسات وبحوث ميدانية دورية للوقوف على آخر مستجدات سوق العمل لمعرفة خصائصه ومشكلاته واحتياجات العمل على حلها. إلى جانب ضرورة رفع معدلات الرواتب بالقطاع الخاص بما يقارب من القطاع الحكومي لجذب المزيد من العمالة الوطنية. إعادة النظر في القوانين والتشريعات ونظم العمل الخليجية بما يساهم في إحلال العمالة المواطنة محل العمالة الوافدة.