م. عايض الميلبي أحيانا الحقيقة مرة، لكن قولها في بعض المواقف أفضل من إخفائها. فحتى وإن كانت مؤلمة فلربما أيقظ ألمها البعض، وحرك شيئا في النفوس. والحقيقة التي نحن بصددها، هي ما تمر به أمتنا العربية من مآس. فهي بلا امتراء قد وصلت إلى مرحلة خطيرة، وشارفت على مهاوي الردى. وعليها أن تتدارك أمرها، وتعود إلى رشدها بعبور أقصر الطرق، وبأقصى سرعة قبل فوات الأوان. ويل لهذه الأمة مما يحاك لها في الخفاء، وويل لها من سلاح الأعداء الفتاك الذي يهلك الحرث والنسل، الذي يجعل أبناء القطر الواحد يتناحرون ويتقاتلون. إنه سلاح ثبت أنه أقوى الأسلحة على الإطلاق، ألا إنه سلاح تفرقة أبناء المجتمع الواحد، والدين الواحد، وجعلهم مضطربين يخشون بعضهم بعضا، كل فريق يرى صلاح ما يدعو إليه وبطلان ما عليه الآخرون. ويا أسفا ويا حزنا على هذه الحال، لقد أُتخذ الدين الحنيف الذي جاء به خير الأنام عليه الصلاة والسلام مطية لتحقيق نزوات ورغبات وسياسات بعض الطوائف والأحزاب. حقا، إنها معضلة، وأي معضلة أن يتم لي أعناق الآيات والأحاديث لتناسب اتجاه وطموحات فريق ما، ولجذب أكبر عدد من المؤيدين والمتعاطفين. استخدم الدين كمطية للأهداف الخاصة؛ لأن المجتمع العربي أغلبه مسلمون، يهزهم كل خطاب يعزف على أوتار تعاليم وأوامر ومقاصد الشريعة. أدرك قادة الأحزاب المتناحرة أن الدين نقطة ضعف عامة الناس، وقبلهم أدرك الأعداء من خارج المنطقة العربية ذلك؛ فعمدوا إلى تهيئة البيئة المناسبة لمثل هذا الأمر، وبعد ذلك فعلوا ما يريدون. لقد رقص العدو للجمهور العربي رقصة الموت، فلم يعيها، وظنها لصالحه وليست عليه، فتراقصت الشعوب في بعض الدول العربية مجتمعة، وبعد رحيل أنظمتها تشتتت، وطفق كل فصيل يغني بمزاج ونغم خاص حتى سالت الدماء، فصارت الألحان حزينة وسط مشاهد مريبة، واستمرت الحال، بل وساءت.. والله المستعان.