لا يختلف واقع ميناء ضباء على البحر الأحمر (210 كلم غرب تبوك) عن غيره من موانئ المملكة التي شهدت خلال العقدين الأخيرين قفزة تنموية في شتى المجالات، إلا أن لهذا الميناء الذي يعدّ أقدم موانئ البحر الأحمر، قصصاً ينفرد بها عن سواه لناحية التجارة بين المملكة ومصر قديما حينما كانت تجرى عبره مقايضة الإبل بماء النيل. ويحلو لكثير من المؤرخين تسمية ميناء ضباء ب"بوابة الشمال الغربي للمملكة"، وكذلك كان يعرف بميناء "السقالة"، على خليج ضباء شمال البحر الأحمر. ومر إنشاء الميناء بمرحلتين: الأولى في العهد العثماني، والثانية في العهد السعودي. ويذكر بعض المؤرخين أن ضباء كانت سابقا مرفأ مأموناً للسفن، وكان يزخر بالسفن الشراعية القادمة من الدول المجاورة. ويفيد الباحث حسن أمين العلي في مؤلفه "دراسات وحقائق في شمال غرب المملكة العربية السعودية"، بأن ضباء مرت بفترات انتعاش كبيرة ومؤثرة اقتصادياًّ في حياة سكانها، وساهم الميناء في وجود تجمع سكاني كبير بالمنطقة يقع على شاطئ البحر مباشرة ب"محلة الساحل"، التي لا تزال بقايا وآثار مبانيه موجودة حتى يومنا هذا. ويشير العلي إلى أن الميناء اندثر بفعل العوامل الطبيعية من سيول ورياح، في ظل عدم توافر وسائل لحمايته من تلك العوامل الطبيعية، إلى أن أتى العهد السعودي المبارك، حيث تم في عام 1357 بناء ميناء جديد غرب الميناء القديم الذي كان يقع بين هضبة القرفة شمالاً وهضبة المقيطع جنوباً. "ماء النيل" و"الإبل" ويذكر الدكتور إبراهيم المغيربي – أحد أبناء ضباء - في مذكرات له عن "ميناء ضباء قديماً ودوره الاقتصادي"، أن الميناء كان يصدر ويستورد من السويس وسفاجة والقصير والغردقة في جمهورية مصر الشقيقة، لافتاً إلى أن تجار القبائل بضباء كانوا يصدرون الفحم والسمن والعسل والسنامكي والصمغ البري إلى مصر، ويستوردون منها الأقمشة وأسرة النوم ومفارش القطن والذرة والأرز والدخن والسمسم والعسل الأسود والحلويات والبصل والفول والعدس والبرتقال، مشيراً إلى أن "ماء النيل" كان يصل إلى ضباء محملاً في براميل خاصة. من جانبه، يقول الدكتور موسى العبيدان في مؤلفه "الحركة التجارية في ضباء بين عامي 1282 - 1382"، أن ميناء ضباء كان لديه تبادل تجاري مع السويس والقصير، وكان يستورد الفول السوداني والسمسم والأعشاب الطبية وبعض الفواكه والأواني الفخارية، فيما كان الميناء يصدر الإبل والجريد والنّهيد والعرن وعسل النحل والقهوة والتمر. صناعة السفن وكانت ضباء كعادة مدن السواحل تشتهر بصناعة السفن التي تعد وسيلتهم الوحيدة لعبور البحر والتواصل مع الدول المجاورة. ويذكر العبيدان أنواع السفن التجارية في ميناء ضباء في تلك الحقبة من الزمن ومنها "السنبوك" وهي سفينة شراعية كبيرة الحجم تستعمل في النقل البحري التجاري، و"القطيرة" وهي أقل حجما من السنبوك، و"البوت" وهو أصغر من القطيرة ويبحر بواسطة المجداف، وكذلك "الهوري" وهو أصغر حجما ويستخدم لرمي شباك الصيد، إضافة إلى ما يعرف ب"الزعيمة" و"الدنقى" وهما توضعان على السفن الكبيرة لاستخدامها في عمليات الإنقاذ. أنظمة السير وكان يوجد في الميناء قديما بعض "الدوائر الحكومية" التي تراقب وتشرف عليه بحكم أهميته التجارية، حيث كان هناك التنظيم المالي ونظام الجمارك والذي كان عمله الإشراف وتسجيل الواردات والصادرات والرسوم والضرائب الجمركية، إضافة إلى نظام شؤون المعاملات التجارية، التي تؤكد على حقيقة أن الميناء كان يتمتع ب"الأمن والأمان". الميناء حديثا وشهدت مناطق المملكة خلال العقدين الأخيرين قفزات تنموية كبيرة في شتى المجالات، ومنها قطاع الملاحة البحرية، الأمر الذي أسهم في إنشاء ميناء جديد في ضباء. ويوضح مدير عام ميناء ضباء الكابتن محمود الحربي في حديث خاص ل"الوطن"، أن الميناء الحديث يبعد عن مدينة تبوك حوالي 210 كلم، الأمر الذي يعد ميزة استراتيجية مهمة للمنطقة، لافتاً إلى أن الميناء يعدّ أقرب ميناء سعودي للموانئ المصرية المطلة على البحر الأحمر وتبلغ المسافة بينه وبين ميناء شرم الشيخ 62 ميلا بحريا فقط، وبينه وبين ميناء الغردقة 96 ميلا بحريا، وميناء سفاجا 105 أميال بحرية، كما أنه أقرب الموانئ السعودية لقناة السويس، حيث تبلغ المسافة بينهما 253 ميلا بحرياًّ، وهو ما يجعله حلقة ارتباط بين المنطقة الشمالية الغربية للمملكة والاقتصاد العالمي. أرقام وإحصائيات وأوضح الحربي أن الميناء الجديد تم افتتاحه عام 1415، بتكلفة قدرت ب165 مليون ريال، على مساحة 36 مليون متر مربع، ويتميز بأنه محمي طبيعيا بالجبال التي تحده من الشمال والشرق، مشيراً إلى أن الميناء يتكون من 3 أرصفة يصل طولها إلى 600 متر، إضافة إلى قناة ملاحية وحوض دوران محدود ب غاطس 15 مترا. وذكر أن إجمالي ما تم نقله ووصوله إلى ميناء ضباء من عام 2005 وحتى عام 2013، بلغ 6718 سفينة، و235199 سيارة، ومن البضائع 2494069 طنا، و87267 شاحنة. مشاريع جديدة وأوضح الحربي بأنه تمت ترسية مشروعات جديدة بالميناء بتكلفة أكثر من 350 مليون ريال، وهي إنشاء رصيف للحاويات بطول 550 مترا وعمق 15 مترا، وإنشاء رصيفين جديدين للسفن السريعة والآخر لحرس الحدود لتلبية احتياجاتهم، إضافة إلى إنشاء رصيف خاص بشركة أرامكو لإرساء السفن الخاصة بالشركة، وكذلك مشروع استصلاح وسفلتة وإنارة وكذلك استكمال المراحل الأخرى لمشاريع تصريف مياه الأمطار ومخاطر السيول. السفن السريعة والكبيرة وأشار الحربي إلى دخول السفن السريعة في نهاية عام 1417، لعب دورا كبيرا في ارتداد شريحة كبيرة من الركاب من المملكة ودول الخليج ومصر، إضافة إلى دخول شرائح ذات وزن سياسي اقتصادي للميناء والعبور من خلاله، حيث ساعدت السفن السريعة في دخول أكثر من 7 ملايين راكب خلال الأعوام السابقة حتى الوقت الحالي، لافتا إلى أن الميناء استقبل سفنا كبيرة مثل "البنامكس" المحملة بالشعير، وسفن البضائع الصب، بالإضافة إلى نقل المواشي والترانزيت وسفن الدحرجة الخاصة بنقل الركاب والسيارات، لافتاً إلى أن الحركة التجارية بضباء ستعود إلى سابق مجدها خلال السنوات القليلة المقبلة، بفضل دعم حكومة خادم الحرمين الشريفين.