مع هذا الزحف المتواصل للتقنية، وفي خضم هذا الطوفان المتطور والمتسارع، الذي وقع في أيدي الجميع، حتى أصبح الكل ينافح ويلبس ثوبا غير ثوبه، وتعددت الثقافات واتسعت. وما يزال البعض يعتقد أنه يعيش في حجرة واحدة لا يشاركه فيها أحد!. واشتعلت نار الاختلاف، واستعرت نار الخلاف من قبل الكثير من الأطياف، الذين يتخفون خلف الشاشات، ويتسترون خلف أناملهم البيضاء، التي تحرك عنفوان التغريدات، وتقفل باب العقل، فلا ندري أهم بشر أم جان؟ والغريب في الأمر، أن الكثير منهم أصبح شغف الخلاف ديدنه، حتى تجذر فيه وصار عنوانا لسجيته وعلما له، وبئس الخلق ذلك. ومما يدلك على ذلك، اجترار البعض لك في الحديث حول المسائل الخلافية التي تدور حول قضايا سطحية تجاوزها الزمن، وترك القضايا المنهجية التي ترقى بالنفس وترفع من شأن الفرد والمجتمع. وفي عمق ذلك، تجد أن المحاور لا يعي أبسط أبجديات الحوار، فتجده تارة يقاطعك، وتارة يتهمك، وما بينهما تجده يفكر بعقل غيره، والأدهى من ذلك، أنه ترك محل النزاع ونسي الفكرة، وأصبح يجادل ذاتك وينتقص منها، والفكرة المطروحة غابت وسط زحام قبح الكلام. تأملت حديث النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي أمامة الْبَاهِلِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَنَا زَعِيمُ ببَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا" والمراء هو الجدال. فوجدته صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الجدال إلا لأنه أمر دنيء وسلوك مشين. وقد نضطر إلى نقاش أمر ما، فعلينا عند ذلك أن نحرر محل النزاع؛ كي نتوصل إلى النقطة المختلف فيها ويدلو كل منا فيها بدلوه ونقفل النقاش بود وسعادة وابتهاج. وعلينا نحن الشباب أن نهتم بما يفيدنا من علم وثقافة ومعرفة، فالوقت غال، ونحن أمام فرصة ذهبية؛ لأن الجسم حي والعقل متيقظ والطاقة كامنة، فلِم الضياع؟. حكمة المقال: يقول الشافعي رحمه الله: "ما جادلت أحدا، إلا تمنيت أن يُظهر الله الحق على لسانه"