في دواخلنا نزوع إلى الفضيلة دوما، وإن لم نستطع كبح أهوائنا المستشزرات، فإننا نحاول كثيرا تغطية سقطاتنا بارتداء أقنعة الفضيلة الجمة، سواء تلك الأقنعة الظاهرية على أجسادنا وملابسنا ومشيتنا وأصواتنا، أو عن طريق أقوالنا التي تخالف الأفعال تماما. لا تستغرب مطلقا أن تأتيك رسالة على "الواتس أب" تكاد تسيح لها شاشة الجوال من كثرة ورعها وتقاها، ووعظها المذهل، وإذا نظرت إلى اسم المرسل وأنت الخبير بأحواله، أجزم أنك تقسم في داخلك أنه قرأ في أسفل الرسالة "مررها إلى غيرك حتى تكون شاهدة لك لا عليك"، فيؤزه دافع الفضيلة إلى إرسالها، لكنه لم يتأمل تلك الرسالة جيدا، ليكتشف إن كان محتواها سليما بالكامل، أو ليطبقها على نفسه قبل أن يرسلها إلى غيره. عندما تقرأ تغريدات ومنشورات الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، تجزم أنك في مجتمع ملائكي مكتظ بالحكماء، لكن أسماء تعرفها، تجعلك تشعر بزيف الكثير مما يكتب. لا أدري حقيقة وليتني تخصصت في علم النفس ما أسباب نشوء هذا الازدواج وطغيانه الفظيع؟ حتى أصبح الكثيرون منا يراعون الناس أكثر مما يراعون ضمائرهم، يحبون أن يظهروا بمظاهر تخالف ما هم عليه. المؤسف على مستويات عليا، ترى الكثيرين يعانون من قمعهم لضمائرهم وآرائهم ورؤاهم التي يؤمنون بها، مداراة لصحبة شخص أو التقرب إليه، أو مراعاة لمصلحة، حتى بات الكثيرون يرزحون تحت وطأة الظلم والتجبر، لتكاثر قطيع الجبناء. ننادي بالحرية ليلا ونهارا على كثير من المنابر، لكن منبرا واحدا ظل خاويا من صوتي وصوتك وصوته وصوتها، "منبر ذاتك" الذي اغبرّ وسكنه العنكبوت، ولم تجرؤ لحظة على الوقوف عليه أمام نفسك، والتحدث بصوت جهوري، يجب أن أكون أنا، بخيري وشري، بصدقي وكذبي، بنقائي وشوائبي، برؤاي ومعتقداتي، يجب أن أتحرر من مراعاة الآخر على حساب شخصيتي وذاتي. كيف سيعرف الآخرون أخطاءنا، وكيف سيرشدوننا إلى علاجها وتقويم ذواتنا، ما دمنا عبيدا للزيف والازدواج، كيف سنحقق ذواتنا ما دمنا نراعي مشاعر زيد ورؤية عبيد، حتى وإن كنا على صواب، وهو الخطّاء. كن شجاعا أمام ذاتك أولا، واهزم عقيدة الازدواج، وقلص مساحة الرقيب الداخلي التي زرعتها الأنساق المخطئة في أعماقك، فلو كان النسقيون على هدى لرأينا آثارهم في المدى. * دهشة: "عرف الأولون أبا وجه وأبا وجهين، وبتنا نحار اليوم في عدد الوجوه".