قبل توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله لم يكن يوجد أي شكل من أشكال التنظيمات الإدارية الحديثة في المملكة، إذ تباينت أجهزة الحكم وأساليب الإدارة من منطقة لأخرى تبعا لظروف وبيئة كل منطقة، فباستثناء الحجاز، كان النظام السائد في باقي المناطق قبليا عشائريا. ففي نجد كان يتم تعيين أمراء وشيوخ محليين من قبائل معروفة ونافذة، وتعد العائلة أو القبيلة بمنزلة حكومة محلية، ورئيسها هو صاحب السلطة التي تنحصر في ضمان جباية أموال الزكاة والضرائب وتحصيلها، وفي الأحساء لم يكن الوضع مختلفا عن نجد، وفي مثل هذه الظروف انتشرت الكيانات المحلية الضعيفة التي تسودها المنازعات والفوضى. وفي عسير، فقد تميزت بوجود الكيانات القبلية القوية التي مثلت مراكز المسؤولية والسلطة المحلية ضمن مساحات جغرافية معينة ومناطق نفوذ معلومة، من أهمها إمارة آل عائض في أبها والأدارسة في صبيا، وهي لا تختلف عن نجد والأحساء من ناحية انتشار المنازعات والاضطرابات الداخلية. وأما الحجاز فقد تميزت بسبب أهميتها الدينية وموقعها الجغرافي والتجاري، وكانت تنقسم في ذلك الوقت إلى ثلاث مدن رئيسة هي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورةوجدة. ومن أشكال التنظيمات الإدارية الحديثة نسبيا في الحجاز هي دوائر المالية والشرطة والأحوال العامة والمجالس البلدية والقضائية، واستحداث رئاسة البلدية بدلا من نظام الحسبة الذي كان متبعا في الماضي، وبالرغم من التطور النسبي لأوضاع الحجاز إداريا، إلا أنها لم تسلم من الفتن والمشاكل بسبب الخلافات والصراع على السلطة وتدخل العثمانيين في تأجيج هذه الخلافات، وبالتالي افتقاد الأمن والاستقرار وغياب الهيئات الإدارية المؤثرة. وفي بداية توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله كانت تتكون من أربعة إمارات رئيسة، وخلال فترة التأسيس تلاها صدور الكثير من الأنظمة والتشريعات التي تتعلق بالتنظيم الإداري، ويمكن إيجازها كالتالي: خلال مرحلة التأسيس كانت الإدارة المحلية تتمثل في صورة بسيطة، فكل منطقة كانت تحكم عن طريق أمير يرتبط رأسا بالملك، ويتبعه أمراء فرعيون في المدن التابعة لمنطقته، وكان هناك ثلاثة مسؤولين في كل مدينة يتولون الوظائف الإدارية هم: • الأمير: وهو الحاكم الإداري بالنسبة للمنطقة أو المدينة والقرى المحيطة بها. • القاضي: وهو مسؤول عن الجوانب الدينية في المدينة. • مأمور بيت المال: وهو المسؤول المالي في المدينة "الزكاة ، توزيع المخصصات". وفي عام 1345ه (1926م)، صدرت التعليمات الأساسية للحكم، كما تلاها صدور الكثير من الأنظمة التي تنظم شؤون الحياة المختلفة، كما تم إنشاء (6) وزارات مركزية وهي "الخارجية، المالية، الدفاع، الداخلية، الصحة، المواصلات". وفي عام 1359ه، صدر نظام الأمراء، وأقر تقسيم المملكة إلى ثمانية مناطق "إمارات"، على رأس كل منها أمير يتم تعيينه من قبل الملك، ويعد نظام الأمراء أول نظام تشريعي ينظم مستويات الإدارة الميدانية. في عام 1373 (1953م) تم إنشاء مجلس الوزراء، والذي يعد الخطوة الأساسية الأولى في مرحلة بناء الإدارة المركزية في المملكة، إذ وضعت الأجهزة الحكومية كافة تحت إشراف جهاز واحد على مستوى المملكة. ومنذ ذلك الوقت بدأ حجم الجهاز الحكومي ومهامه يتزايدان بشكل متسارع، وأدى هذا التوسع إلى تحمل الأجهزة الحكومية والعاملين بها مسؤوليات كبيرة وجديدة. ونتيجة لتوحيد التنظيم الإداري للدولة، وإنشاء مجلس الوزراء، فقد صدر نظام المقاطعات في عام 1383ه، بديلا عن نظام الأمراء، والذي استهدف إعطاء صلاحيات واسعة لأمراء المناطق في إقرار شؤونها وإدارتها، وذلك للدخول في مرحلة التنمية والتحديث بفعالية أكبر. وفي عام 1390ه (1970م)، تعد هذه الفترة الانطلاقة الحقيقية للتنمية بعد إرساء الإدارة المركزية وإيجاد الأجهزة القادرة على تخطيط وتنفيذ مشاريع التنمية، ومن أبرز ملامحها: استكمال إنشاء أجهزة التنمية الإدارية، وصدور الخطط الخمسية للدولة، وصدور الكثير من الأنظمة التي تهدف إلى تحسين الأداء وزيادة الفاعلية الإدارية. ونتيجة للتوسع والنمو السريعين للأجهزة الحكومية؛ بسبب التطورات الاقتصادية والاجتماعية في تلك الفترة، فقد تم إصدار لائحة تفويض الأمراء بقرار من وزير الداخلية رقم (1288) وتاريخ 12/ 4/ 1395ه، وتم تقسيم الدولة إلى (14) منطقة إدارية، واشتملت اللائحة على الكثير من الصلاحيات لأمراء المناطق، ويعد الأمير هو الحاكم الإداري للمنطقة، ويتولى إدارتها وفقا للأوامر والتعليمات الصادرة من الجهات المختصة. وقد استمر العمل بتلك اللائحة حتى صدور نظام المناطق بالأمر الملكي رقم (أ/92) وتاريخ 27/ 8/ 1412ه، وتم إنفاذه والعمل به عام 1414ه، وتنص المادة الأولى من هذا النظام إلى رفع المستوى الإداري والتنمية في مناطق المملكة، كما يهدف إلى المحافظة على الأمن والنظام، وكفالة حقوق المواطنين وحرياتهم في إطار الشريعة الإسلامية. وفي وقتنا الحاضر تشهد المملكة خلال عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، رافقها توسع ضخم في أنشطة القطاع الحكومي، وعملية تطوير مستمرة على الصعيد المؤسسي والإداري، إذ تم التركيز على توظيف الأساليب التقنية والمعارف العلمية الحديثة في عملية التطوير، وإرساء دعائم جهاز حكومي يتمتع بالكفاءة والقدرة على التطور المستمر، إضافة إلى وضع أسس الانتقال إلى مرحلة الاعتماد على التميز في الأداء كأساس لتقويم مستوى كفاءة الأجهزة الحكومية وجودة خدماتها.