تتكرر كلمة "الابتكار" بمشتقاتها اللغوية المختلفة على ألسنة وأقلام المسؤولين والمثقفين والعامة، ويكاد يكون الإجماع بأنها تعني تطوير منتج أو خدمة جديدة متميزة. غير أن هذا المفهوم يخالف المفهوم العالمي في مجالات التنمية الاقتصادية. ونجد أن خطة التنمية التاسعة والخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار في المملكة وغيرها تطرقت إلى الابتكار كوسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي في المستقبل، لكن رغم ذلك لا يوجد فهم عام لمعنى الابتكار. أحد جوانب مفهوم الابتكار هو "تطوير المنفعة" فأي منتج أو خدمة جديدة ومتميزة يجب أن تحقق منفعة ما للمستهلك، ويكون المستهلك راغباً في الاستفادة منها ودفع مقابل مالي لذلك. عندما تولى إدارة إحدى شركات المشروبات الغازية مدير جديد، كانت إحدى مهامه رفع ربحية الإنتاج والتقدم على منافسيه، وأول عمل قام به هو التعرف على المنفعة التي يحققها المشروب الغازي الذي ينتجه، فاكتشف أنه يحقق عدة منافع للمستهلك فهو يروي العطش، ومادة غذائية، وذو طعم لذيذ، فانطلق في توسيع الشركة وتطوير هذه المنافع بتطوير عدة منتجات عالمية منها المياه المعبأة، والعصائر. المستهلك الذي نبتكر له منتج ذي منفعة مطلوبة وعالية القيمة، قد يكون فرداً أو مؤسسة أو حكومة أو مجموعة مستهلكين يمثلون قطاعاً مستهدفاً. وحين "نبتكر" منتجا أو خدمة، فنحن نطور منفعة ذات قيمة عالية، ومن يقدر القيمة ليس المبتكر، بل هو المستهلك النهائي. فتقدير القيمة النهائي يأخذ في الاعتبار القدرة الشرائية للقطاعات المستهدفة، وقيمة الإنتاج. الشركات التقنية الكبرى طورت سياسات للابتكار والإنتاج، وتبنت سياسة ابتكار قوية أهلتها للنمو والانتشار والنجاح. وتنفق الشركات ما بين 10% إلى 30% من مواردها المالية في تطوير منتجات وخدمات مستقبلية. وقد تضطر الشركة لاستثمار أكثر من ذلك لتحقيق طفرة نوعية. فمثلاً شركة (آبل) أنفقت ذات مرة 70% من مواردها على التطوير لرغبة رئيسها ستيف جوبس في القفز بالشركة بدلاً من النمو التدريجي البطيء نسبياً. وشركة (جي إي) تنفق أكثر من 3 مليارات دولار على البحث والتطوير سنوياً، وكذلك شركة (بروكتر اند قامبل) تنفق مليارين سنوياً، تنفق هذه الميزانيات في ابتكار منتجات جديدة لتحسين بيئة الاستثمار والابتكار في الشركات. إحدى الممارسات التي تتبناها الشركات هي بناء فرق الابتكار. فحينما يتقدم أحد موظفيها بمنتج ذي منفعة عالية يختار هو فريق العمل الذي سيتولى إنتاج النموذج الأولي، ويتكون الفريق من مهندسين ومتخصصين، ومن مطوري أعمال تجارية. عندما ينجح هذا الفريق في بناء أول منتج وتطوير نموذج العمل التجاري، تتولى الشركة تحويل هذا الفريق إلى وحدة إدارية في الشركة، ويتولى الإنتاج فيما بعد. وقد يتحول لشركة مستقلة في المستقبل. تقسم الشركات الكبرى خطط الابتكار إلى 3 أقسام، مبتكرات لتطوير المنتجات الحالية، ولتطوير منتجات مبتكرة تحل محل منتجاتها حالياً أو تتغلب على المنافسين، وابتكارات متميزة تهدف لتحقيق منفعة عالية وتطور تقني جديد. وتعتبر الميزانيات المصروفة لتحقيق هدف كل قسم هو استثمار يجب أن يحقق عائداً مالياً في المستقبل. وهنا يتبادر السؤال التالي: متى يتحقق العائد؟ لذا تضع الشركات نظاما لإدارة محفظتها الابتكارية حتى لا تستهلك موارد الشركة في الابتكار بدون تحقيق عوائد تضمن الإنفاق عليه. الشركات الدولية تنمي الابتكارات وتدعمها من أجل نمو الشركة وازدهارها، وتكون الابتكارات ضمن المجالات التي تحقق نجاحات الشركة، فالابتكارات الشاذة أو غير المنتمية لنطاق الشركة لا يلتفت إليها لعدم تشتيت موارد الشركة، فلا نتوقع مثلاً من شركة مشروبات غازية أن تطور منتجا إلكترونياً. الابتكار كلمة جميلة، تنفيذ وتحقيق ما تعنيه هو أساس التنمية الاقتصادية خاصة في عصر تتوفر لدينا فيه موارد ضخمة، فيجب تطوير استغلالها من خلال ابتكار خدمات ومنتجات هامة تحقق عوائد ضخمة تضمن استمرار توفير أرقى مستوى معيشة للمواطن السعودي بعد عصر البترول. فهذا هو الابتكار الذي نريده في مجتمعنا السعودي.