مواقع التواصل الاجتماعي رفعت السقف التواصلي إلى فضاءات حوارية واسعة، جعلتنا نتابع بعضنا البعض على مدار الساعة، لنناقش أحيانا كل شيء، ونقول كل شيء، بل لنجد أنفسنا أمام واقع تواصلي جديد يكاد يلغي أدوات التواصل القديمة من خلال أدوات تواصلية جديدة، تتميز بالشمول والسرعة الفائقة وتعطينا فرصة تواصلية سريعة غير مسبوقة في تاريخ البشرية؛ هذا أمر عجيب ومدهش حقاً، ولكن الأمر الذي قد نناقشه في هذا المقال يتعلق بذلك التناقض العجيب في سلوكيات الشخصية الواحدة، فقراءة الشخصية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي توحي بشخصية غالبا ما يسعى صاحبها إلى تكريس صورة جميلة تحمل معاني النبل والتسامح، من خلال المتابعات والاهتمامات والردود؛ خصوصا عندما يكون المعرف بالاسم الصحيح وهذا جميل جداً إلا أنك تفاجأ عند التخاطب المباشر مع هذه الشخصية بنقيض ما كانت عليه في مواقع التواصل، لنجد أن الشخصية (التواصلية) تختلف تماماً عن الشخصية (التخاطبية) ففي مواقع التواصل تجد اهتمامات ومتابعات تعزز الحكم على هذه الشخصية بخلاف ما قد يكون فيها، ثم تتواصل معها من خلال التخاطب المباشر ليكون التناقض الحقيقي هو سيد الموقف، فتجد خلال التخاطب المباشر مبادئ وأفكارا تختلف جذرياً مع ما تحمله نفس الشخصية في مواقع التواصل. فما الحل إذاً لكشف الشخصية الحقيقية لهذا الإنسان؟ هل أصبحت بعض الشخصيات بلا هوية ولا مبادئ ثابتة؟ أم ما زلنا في بداية التعامل مع هذه الأدوات وما زال هناك مسار يفصلنا عن النضج المعرفي المؤدي إلى التعامل الحسن مع مستجدات العصر؟ لا أبداً هناك بشكل عام هوية وهناك مبادئ لها من الرسوخ ما يجعلها في مأمن من عوادي الزمن، ولكن الحاجة الماسة تدعونا إلى العمل على بلوغ مرحلة النضج الفكري والمعرفي من خلال تطوير أدواتنا القديمة، وتعزيزها بأفكار عصرية تدفع بها إلى صدارة التقدّم، ليستطيع الإنسان أن يعامل الجميع بشخصية واحدة وواثقة، يكشف عنها حجب التمويه، لتكون واضحة المعالم والملامح، فهذا أنفع للإنسان وأقرب إلى تحقيق أهدافه من وسائل التشويش التي يفرضها على نفسه ليصبح بلا شخصية محددة، فمع تعاضد الخبرات والتجارب يصل الإنسان إلى مراحل تواصلية ناضجة ترتكز على قناعات صادقة وأهداف واضحة.