كشف العيد عن ثقافات مجتمع لا يظهرها إلا العيد، عوضا عن كشفه مناطق كثيرة مغيبة من الدراسات الثقافية في الساحة المحلية، خاصة في ما يتعلق بالموروث الشعبي. ففي عدد من قرى محافظة الطائف ما زال الأهالي على عاداتهم وتقاليدهم في الاحتفال بعيد الفطر المبارك، مستمدين ذلك من إرث كبير توارثوه منذ الأزل. فالألعاب والأهازيج الخاصة بهذه المناسبة تشكل فرحة العيد القصوى، وتبدو آثارها جلية في وجوه الكبار والصغار، وترتسم في تعاملاتهم. أجواء الألفة والمحبة والإخاء، أبرز أشكال طقوسهم وتعاطيهم مع هذا العيد، الذي جعلوه فرصة لتعزيز ترابطهم الاجتماعي، ليمتد طوال العام. العيد في هذه القرى يحظى بطابع ثابت توارثته الأجيال، ليسير في نسق يجتمع فيها الجيران الذين اعتادوا قضاء العيد منذ عهد الأجداد على مستوى الحي أو مجموعة الأحياء المتجاورة. وكالة الأنباء السعودية التقطت من خلال جولة في بعض هذه القرى صورا اجتماعية لأهاليها، واستطلعت آراءهم وانطباعاتهم خلال عيد الفطر المبارك، وكيف يستقبلونه ويعيشونه؟ العيد في مركز الشرقة بقرى الحساسنة على سبيل المثال، كما يصفه لافي الحساني، أحد قاطنيه، بأنه مناسبة دينية تحمل في ثناياها معاني سامية، يعيشونها من خلال أعراف وتقاليد جمعت بين الأصالة والتجديد، فالأجيال الحاضرة ورثت قيما اجتماعية من الأجيال التي سبقتها، استطاعت تخليد كل معاني المحبة والوئام بين أفراد المجتمع، مؤكدا حفاظ الجيل الحاضر على طقوس ربما كان للظروف القاسية دور في نشأتها وتكوينها، إلا أنهم أصروا على المحافظة عليها، مراعين إضافة ما يجعل العيد أجمل وفق المتغيرات الحياتية التي يشهدها الزمن الحالي. وبين الحساني أن التغيير في الاحتفال بالعيد الذي اعتادوا عليه بات من الأمور المعقدة من وجهة نظرهم، خوفا من ضياع هويته، لذا يفضل الأهالي بقاءه على طريقته القديمة. جنوبا توارث أهالي منطقة جازان العديد من العادات والتقاليد في مناسبات الأعياد التي أصبحت رمزا للعيد في مختلف محافظات وقرى المنطقة، وتتجلى تلك العادات في الاستعداد المبكر للعيد من خلال تجهيز المنازل وترتيبها وتهيئتها بشكل لافت، وتنظيف الطرقات القريبة من المنازل والساحات الداخلية، حرصا على أن يبدو صاحب كل منزل بأنه الأكثر اهتماما بمقدم العيد والمعايدين، فيما يحرص الجميع على شراء حلويات العيد والورود والعطور وشراء الفل وغيره من النباتات العطرية التي تزين أركان المنزل وتتجمل بها السيدات. وتبادر النسوة بإنجاز ما تبقى من أعمال النظافة والترتيب والتزيين في الغرف الداخلية بالمنزل، خاصة غرف الضيافة والاستقبال، والاحتفاء بالزائرات من أقاربهن وجاراتهن، فيقمن بنقش الحناء على الأكف والسواعد في أشكال جمالية منوعة، ويصففن عقود الفل والوزّاب والكاذي والبعثيران والشيح التي يتجملن بها في يوم العيد.