وسط المساوئ الكثيرة التي تحيط بها هذه الأيام، تبقى كرة القدم قادرة على خلق ذكريات مميزة تبقى مع عاشقها لبقية حياته، وكثيراً ما تذكر أحدنا أحداث مباراة ما بعد سنوات طويلة وسط ابتسامة تعلو وجهه، ولكن ماذا يحدث عندما تكتشف أنك لن تشاهد مباراة أخرى بعد الآن؟ هذا ما كان عليه حال "روي مارك"، الذي ساند وآزر فريقه الهولندي فيينورد روتردام طوال حياته، فبعد أن صارع المرض طويلاً، أخبره الأطباء بأنه لم يعد أمامه سوى أيام قليلة ليعيشها، ومنذ أن علم بتلك الأخبار السيئة كانت لديه أمنية واحدة فقط.. أن يشاهد فيينورد مرة أخرى وأخيرة. في مواقف مماثلة، ربما تبعث أندية بقميص يحمل إمضاءات نجومه للمشجع في المستشفى، وربما تصحبه بلاعب أو اثنين.. لكن فيينورد ناد مختلف، فنتائجه المقنعة أحياناً والمتواضعة في أخرى، لم تشكل أي فرق لدى أنصاره، فأينما ارتحل فريقهم تجدهم خلفه، كما أنهم يتبعون تقليدا طويل الأمد، يتمثل في وجودهم بكثافة لحصة فريقهم التدريبية الأولى للاحتفاء بانطلاقة موسم جديد وتحية لاعبيهم الجدد فضلاً عن الترحيب بعودة السابقين. هذا الموسم، لم يكن اليوم فقط للفريق وحده، بل كان أيضاً للمشجع "روي"، الذي كان بالكاد يستطيع الوقوف على قدميه من شدة المرض، ووجد على سرير متنقل برفقة عائلته وأصدقائه، ولم يكتف بالفرجة من جانب الملعب على المشجعين وهم يرحبون باللاعبين بالألعاب النارية بل نهض من سريره وصفق معهم والدموع في عينه، وحينها لم يكن يعلم روي سوى القليل عن خطط المشجعين الذين رفعوا لافتة عملاقة حملت صورته، ورددوا أغنية "لن تمشي وحيداً"، وهي التي ارتبطت بمشجعي ليفربول الإنجليزي، بيد أنه من النادر أن تتردد بمثل هذه العواطف كما حدث هنا. وفي مرحلة مرضية متقدمة كالتي وصلها روي، تبقى قدرته على الحضور ومعايشة تلك اللحظات إنجازاً مدهشاً، لم يتجاوزه سوى ما حدث بعده عندما سار روي ببطء وبمساعدة المقربين منه باتجاه المشجعين وكانوا ينشدون "تقدم يا روي!"، قبل أن يعترض اللاعبون طريقه لمصافحته واحتضانه وقدموا له قميصاً خاصاً قبل أن يطالبهم بالألقاب في الموسم الجديد، رغم أنه يعلم بأنه ربما لن يكون هنا للاحتفال بها، واكتملت فصول تلك القصة المدهشة، بعدها بثلاثة أيام فقط عندما وافت المنية روي وفي جنازته حضر المشجعون مرة أخرى ليقولوا له وداعاً للمرة الأخيرة. وفي عصر تتعامل الأندية خلاله مع مشجعيها كزبائن وتهتم أكثر بالعقود التلفزيونية ومبيعات بضائعها، تذكرنا قصصا كهذه بالمعنى الحقيقي للعبة.. ذات حوار قال مدرب ليفربول الشهير في السبعينات، بيل شانكلي: "يعتقد بعض الناس أن كرة القدم مسألة حياة أو موت.. أستطيع أن أؤكد لكم أنها أكثر أهمية من ذلك!".. وفي أمسية خاصة في روتردام أظهر رجل واحد بأن تلك ربما تكون الحقيقة.