رغم تسارع الحداثة، إلا أن أمسية الثالث عشر من رمضان من كل عام بقيت ليلة فارقة في مخيلة الأطفال في المملكة ودول الخليج، حينما يحتفلون فيها بالعادة التراثية المسماة "القرقيعان" بارتداء ملابس شعبية تشمل الدشداشة والطاقية والسديري، فيما ترتدي البنات الدراعات الملونة ويغطين رؤوسهن بالبخنق "وهو وشاح ملون ومزين بالتطريز كانت تلبسه الفتيات قديماً"، ويضعون أكياساً قماشية حول رقابهم، والطواف حول بيوت الجيران في الحي لجمع الحلوى أو القرقيعان والتي كانت تقتصر على حلاوة البقر المشهورة والبرميت الملون وبيض الصعو والمكسرات مثل الجوز واللوز والنخي والفستق، وتضع العائلات الميسورة بعض الليرات أو الخردة في القرقيعان. وانتشرت هذه العادة في المناطق الشرقية في المملكة وكذلك الكويت والبحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان مع اختلاف بسيط في المسميات والأهازيج، فالقرقيعان يسمى قرنقعوه في البحرين وقرنقعوش في قطر، وقرنقشوه في عمان، ويختلف يوم الثالث عشر عن بقية أمسيات رمضان المبارك، حين تنتشر في ليلتها أجواء جميلة في الأنحاء للقيام بعادة تراثية أصيلة تسمى"القرقيعان"، وهي تبدأ في ليلة الثالث عشر لتمتد للرابع عشر ثم الخامس عشر. الأطفال والعادة يطرق الأطفال الأبواب ليطلبوا القرقيعان وينشدوا بالمقابل لأطفال أصحاب البيت أنشودة معينة زاخرة بالدعاء لأهل البيت وصغيرهم مما يختارون ل "يقرقعوا عليه"، يصاحب تلك الأناشيد تصفيق وطبول وقرع طاسات ومنها استوحي مسمى قرقيعان لأنه يحدث أصوات قرقعة، ثم ينشدون أغاني تختلف من بلد لآخر بشكل بسيط، من كلمات هذه الأناشيد: قرقيعان وقرقيعان بين قصيّر ورميضان عادت عليكم صيام كل سنة وكل عام ثم يقوم أصحاب البيت بتقديم صحن مليء بالحلوى والمكسرات وأحيانا بعض المال ويملؤون به أكياس الأطفال. وقبل المغادرة ينشدون: عساكم تعودونه كل سنة وتصومونه القرقيعان عادة تراثية بحته لا ترتبط بمذهب أو ديانة، وإنما هي عادة وليست عبادة كما يلتبس على البعض، وقد بدأت لتسلية الأطفال ومكافأتهم على الصيام في رمضان، وهي من الموروثات الشعبية التي تحبب الصيام لدى الصغار وتشجعهم على إتمام صيامهم، وهي أيضاً ترسخ مفهوم الجيرة والتآخي وتبعث السرور في نفوس الأطفال والكبار على حد سواء. ويعود سبب اختيارهم لمنتصف شهر رمضان لأن القمر حينها يكتمل ليصبح بدراً مما يساعد الأطفال على الرؤية ليلا حين يطوفون في الفرجان والأحياء للقرقيعان، وذلك لعدم وجود كهرباء قديماً. هذه العادة مازالت مستمرة في شرق المملكة ودول الخليج، إلا أنها تغيرت في بعض تفاصيلها وأصبح ينقص أهم عنصر فيها وهو بساطتها، فقد سيطر البذخ على هذه العادة الجميلة، فأصبحت بعض العوائل تبالغ وتتنافس في تقديم قرقيعان بمفاهيم جديدة والمبالغة في اختيار أنواع الحلوى حيث استبدلوها بالشوكولاته الفاخرة والعلب المزينة والمزخرفة، فيما يبحث بعض الكبار في القرقيعان عن الحلويات القديمة ويفرحون بوجودها أكثر، فيما طال الغلو أيضاً ملابس القرقيعان للأطفال في البحث عن موديلات حديثة وتصاميم جديدة قد تسلخ القرقيعان من مفهومه القائم على التبسط، ويبدو أن محاولات تطوير القرقيعان لا تقوم إلا بإفساده.!