بات من المألوف أن تشاهد سباق الجري بين المراقبين في أمانة المدينةالمنورة والبائعين الجائلين أو كما يطلق عليهم "البساطين" الذين يتوزعون على الساحات والممرات المؤدية للمسجد النبوي الشريف، وفيما يسعى مراقب الأمانة لضبط أي منهم عله يكون عبرة للآخرين، يعمل الآخر جاهدا على الفرار حتى لا يسقط في يد الأمانة، خاصة أن ذلك تتبعه غرامات مالية ومصادرة للبضائع التي يسوق لها. تلك الملاحقات التي باتت من المشاهد اليومية في المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، دفعت بالبساطين والبساطات خاصة الكبار منهم إلى الاستعانة بأبنائهم، الذين يوفرون لهم المراقبة والإبلاغ في حال وصول سيارات البلدية إلى صوب البسطات، حيث يهم كل منهم إلى الهرب من قبضة المراقبين، خشية الوقوع في أيديهم. أم محمد دأبت على عرض بضاعتها من الأقمشة والمستلزمات النسائية على بسطتها أمام المزارات بالمدينةالمنورة تشير في حديثها إلى أن تقدم سنها لم يشفع لها أمام موظفي البلدية من الملاحقة، إلى جانب مصادرة ما بحوزتها من بضائع تسعى لأن تجمع من خلالها ما يمكن من مبالغ زهيدة بالكاد أن تفي بشيء من متطلبات الحياة. أم محمد التي قضت سنوات في مجال البيع تتطلع إلى أن تقوم الأمانة بتوفير أكشاك للبساطين بأسعار رمزية، لأن في ذلك ضمانا كما تقول لكسب الرزق الحلال بالشكل النظامي، وفي المقابل يساهم في التنظيم والقضاء على العشوائية، لعل في ذلك حلا لما بات يشاهد يوميا من سباق الجري الذي يحدث بين موظفي الأمانة والبساطين. وبالرغم من الموقف الواضح من قبل موظفي الأمانة تجاه تلك البسطات وما تتسبب فيه من إعاقة للحركة إلى جانب كون ذلك يعد مشهدا غير حضاري يتنافى مع روح العمارة والحضارة التي تحيط بالمسجد النبوي الشريف، إلا أن أم ناصر التي تجاوزت ال 40 ، استطاعت حسب قولها من كسب تعاطف ومؤازرة الكثير من موظفي الأمانة، فباتت تبيع وتزاول عملها، إلا أن ذلك لا يعني أنها لا تواجه مصاعب أحيانا، خاصة إذا كان الموظف غريبا عن المنطقة. وتشير أم ناصر إلى حركة البيع خلال الموسمين الحج والعمرة فيها مكاسب مرضية، وتدر مبالغ لا بأس بها فهي على أقل تقدير تقي من ويلات الحاجة والسؤال، إلا أن ذلك حسب قول أم ناصر جعل الكثير من النساء الوافدات يقتحمن هذا المجال، فالوضع ببساطة لا يتطلب سوى أن ترتدي الوافدة خاصة من مخالفات الحج والعمرة العباءة والمسفع ، لتزاول عملها في البيع والشراء. أما أم سلمان التي بدا أن تجارتها المتواضعة جعلتها تقف على رجليها، دفعتها إلى شراء عربة متحركة توزع عليها ما تعرضه للبيع، قاطعة 18 ساعة يوميا في المنطقة المركزية محاولة شد الانتباه لها لتصريف بضائعها التي لا تتعدى السجاد والملابس النسائية وبعض الكماليات، مضيفة أنها أرملة ولديها أطفال، ولا تجد ما يوفر لها دخلا سوى هذه المهنة التي تقيها العوز والحاجة. أما محمد الحربي وهو مراقب ميداني يتبع لأمانة المنطقة فيشير في حديثه ل "الوطن" إلى أن التعليمات التي يبلغ بها مراقبو البلدية واضحة وصريحة، وتتلخص في القضاء على تلك الظاهرة التي بدأت تشكل قلقا، لا سيما أن انتشارها يتسبب في إعاقة الحركة من وإلى المسجد النبوي الشريف، علاوة على أن انتشار الباعة الجائلين أو ما يعرف بالبساطين يضر بمصالح أصحاب المحلات التجارية الذين يدفعون مبالغ باهظة في إيجار المحلات.