عيد الظفيري اعتاد الناس في المجتمعات الغربية على التعايش مع بعض السلوكيات الشاذة كظواهر طبيعية لمجتمعات لا تحكمها القيم الدينية ولا الأخلاقية، بل ليس باستطاعة الشخص السويّ إنكار أي مظهر من مظاهر الشذوذ المتعددة خشية من القوانين الرادعة لأي محاولة تجاوز من كلا الطرفين، فالعلاقة التي تحكمهم - رغم المتناقضات الكثيرة في السلوك والمسلك – قائمة بالدرجة الأولى على أسس قانونية ذات أطر واضحة كي لا ينغمس المجتمع في أوحال التضاد والمناكفة، وفي أحيان أخرى تتجلى في هذه العلاقة دوافع إنسانية بحتة من الطرف السويّ نحو من انحرفت فطرته عن النواميس الطبيعية على اعتبار أن الشذوذ مرض من الأمراض النفسية. لدي قناعة بأن الشذوذ لا يقتصر على الأفعال والسلوكيات المشينة التي ربما نشاهدها في الشارع أو في التلفاز أو في أي مكان، فهو ذو مظاهر متعددة ليس بوسع المرء حصره في سلوكيات معينة، لأنه قد يتخذ شكلا ظاهريا تسهل ملاحظته للوهلة الأولى، وفي أحيان أخرى قد يتخذ شكلا باطنيا تصعُب ملاحظته لأنه مترسب في داخل الأذهان. من المؤلم جدا أن تساهم بعض وسائل الإعلام في نشر بعض ظواهر الشذوذ الفكري لا لشيء سوى البحث عن الإثارة وجذب المشاهدين على حساب القيم والأخلاق دون مراعاة لما تحدثه في النفس من ألم واشمئزاز قد يدوم لأسابيع وشهور طويلة! في إحدى الفضائيات استضيف أحد هؤلاء الشواذ فكريا ليمارس هوايته على الملأ دون أن يجد من يتصدى لأفكاره المريضة، فمع احترامي الشديد للضيوف الآخرين إلا أنهم أخفقوا إخفاقا ذريعا في الرد عليه لأنهم ليسوا على اطلاع كاف بالتراث الفقهي ليدحضوا الحجة بالحجة من كتب السلف الصالح حتى لا يدعوا له مجالا بتوظيف بعض الفتوى والحوادث التي لها ظروفها وملابساتها الخاصة لتتلاءم مع أهوائه وأفكاره الشاذة، فلغة العقل والمنطق مع هؤلاء الشواذ الذين يتلبسون لباس الدين لا تجدي على الإطلاق، فكان الأولى بالمذيع أن يستضيف العلماء المعتبرين والمبحرين في تراثنا الفقهي كي لا يتركوا فرصة للمدلسين باستغلال بعض الفتاوى لتمرير أفكارهم الشيطانية. لقد تطورت ظاهرة الشذوذ الفكري أسوة بظواهر الملبس الخادشة للحياء والمروءة مثل ظاهرة "طيحني وسامحني" وغيرها، وأصبح من المألوف جدا أن يتشكل هذا الشذوذ على هيئة أفكار جانحة لا يتحرج أصحابها من البوح بها علانية وأمام ملايين المشاهدين والمشاهدات! متحررين من أي رادع ديني أو حتى أخلاقي إرضاء لنوازع الشذوذ الكامنة في أذهانهم! فكلنا يتذكر فتوى حرمة خلوة الأب بابنته على اعتبار أنها أكثر الفتاوى شذوذا وتدميرا للقيم الدينية والأسرية بين الأب وابنته، فهي محاولة لتكريس الهواجس الجنسية في قلب العلاقة الأسرية المقدسة من خلال تكريس سهولة تحولها إلى علاقة آثمة! وامتدادا لهذه الظاهرة السيئة أتى التحريم هذه المرة بصورة لا تقل شذوذا عن الفتوى السابقة ليشمل حرمة الخلوة بالشاب الوسيم! هذه الفتوى - بعيدا عن قبحها وما تثيره في النفس من اشمئزاز – المستندة على فتوى لابن تيمية - رحمة الله عليه - في حادثة خاصة ولم تكن على وجه العموم، ناهيك أن صاحب هذه الفتوى الشاذة أسندها جهلا منه إلى أنها وردت في كتب ابن كثير، وهذا غير صحيح فهي لم ترد على الإطلاق في كتبه، وهذا يدل على أنه لم يكن يهتم كثيرا لقائلها ولا لملابساتها المحيطة، علاوة عاى أنها اجتهاد معرض للخطأ والصواب إلا أن العلة تكمن في المتتبع لغرائب الأمور وشواذها، وهي امتداد لفتوى سابقة باحتجاب الفتاة المشتهاة حتى لو لم تتجاوز العامين من عمرها! إذا لم تكن قيمنا وأخلاقنا الإسلامية العظيمة تؤصل في نفوسنا قبل أذهاننا سمو العلاقات الأسرية والإنسانية فيما بيننا عن الغرائز البهيمية، فنحن والكائنات الأخرى على قدم المساواة من الطبائع الشهوانية! هذا تماما ما أراد قوله هؤلاء الشواذ عن مجتمعاتهم بطريقة لم يتجرأ حتى أصحاب العقائد المنحرفة من أتباع الديانات المحرفة على التفكير بها! وحتى لو فكروا بها فإنهم لن يتجرؤوا على كشف سوءاتهم النفسية لأن القوانين الرادعة ستصدهم عن مثل هذا الفعل القبيح، وهذا ما نحتاجه بالضبط كي نسلم من الأذى الأخلاقي والمعنوي الذي يسببه هؤلاء الشواذ بسوداوية أفكارهم. طهروا فطرتنا السليمة من رجس تلك الفتاوى والأفكار الشاذة كي لا تستفحل آثارها وأضرارها السلبية على علاقاتنا الأسرية والإنسانية، فسكوت العقلاء لا يعني أنهم لا يستطيعون ردع سفهاء الفتاوى الشيطانية.