الشهر الماضي حدثت تفجيرات أليمة في مدينة بوسطن الأميركية، وخلال الليلة الأولى ومطلع اليوم الثاني كانت المعلومات عن هوية الفاعل شبه معدومة، ولأن المعلومة كانت غائبة، فإن الحضور في التغطية الإعلامية سيكون للأيدلوجيا بشكل أوضح وأسهل للرصد، فطوال اليومين الأولين تفرغ الإعلام الأميركي المحافظ للحديث عن الإرهاب الإسلامي وعن التطرف في الشرق الأوسط، وتم استضافة الكثير من المحللين ممن يحلمون مشاعر سلبية تجاه المسلمين وتجاه الشرق الأوسط، وتم الزج باسم المملكة بشكل مستفز ومغلوط، بل إن الحديث ذهب إلى أبعد من هذا، فأخذ عدد من المتحدثين عبر قناة "فوكس نيوز" الأميركية إلى لوم سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما في التساهل مع القادمين من الشرق الأوسط، وبدأت القناة في الحديث ومناقشة أسباب تخفيض الإنفاق في برامج مكافحة الإرهاب "الإسلامي"، وبدأت تتساءل عن أهداف اتفاقيات تسهيل إجراءات وتأشيرات الطلاب الأجانب، خاصة القادمين من الشرق الأوسط. لاحظ أن كل هذا تم دون أي معلومة تشير إلى علاقة الشرق الأوسط أو المسلمين بما حدث، كل هذا تم قبل حتى معرفة هوية الفاعل. في نفس الوقت أيضا وفي نفس الفترة الزمنية كان إعلام اليسار الأميركي الذي يمثل التيار الليبرالي يتحدث عن التطرف اليميني الأميركي "الأبيض"، كان بعض المعلقين على قناة "إم إس إن بي سي" يتساءل لماذا يكرهون "أوباما"، لماذا يكرهون الحكومة الأميركية؟، بل ذهب الأمر إلى أبعد من هذا، إذ قال الكاتب ديفيد سيروتا: "لنتمنَّ أن منفذ تفجيرات بوسطن هو أميركي أبيض"، وانقضى اليومان الأولان في محاولات جادة فيما يشبه الابتهال أن يكون الفاعل أميركيا يمينيا "أبيض". تغطية أحداث بوسطن ووجود فترة شبه طويلة دون أي معلومة مؤكدة عن هوية الفاعل، وقفز الجميع إلى التنظير، ولوم فئة معينة حتى قبل الحصول على معلومات مؤكدة وحقيقية، جعلني أصل إلى أجوبة على تساؤلاتي التي ظلت تشغل بالي عن الحيادية والمهنية في المجال الإعلامي الأميركي، إنني مؤمن أكثر من أي وقت مضى أن الحيادية مبدأ أفلاطوني، يكاد أن يكون شبه معدوم في عالم الإعلام اليوم، كل وسيلة إعلامية لديها هدف وأجندة تعمل لخدمتها، لذلك فانعدام الحيادية وغياب الموضوعية عند بعض المؤسسات الإعلامية أمر طبيعي، فكل مؤسسة إعلامية لديها هدف وأجندة سياسية أو إعلامية وتعمل لخدمتها، ولا مانع من التنازل في أحيان كثيرة عن المهنية إذا كان الشعار أن الغاية تبرر الوسيلة.