يختلف العديد من الأشخاص في المهن التي يعملون بها، وقد تكون بعض الوظائف متوارثة، وقد تكون ناتجة عن تخطيط وتخصص، وبعض الوظائف لم يجد أصحابها سواها، لتوفير دخل بسيط يستطيعون من خلاله العيش وتكوين أسرة، بعض المهن توقع أصحابها في العديد من المصاعب، بسبب نظرة المجتمع لها، فيقع صاحب هذه المهنة في حرج حينما يقرر اختيار شريكة حياته. أبو وسام (49 عاما) حارس مقبرة يجلس على كرسيه المتهالك يراقب تحركات الأشخاص خارج المقبرة، في انتظار مشيعين جدد. يقول "توراثت هذه المهنة عن والدي الذي كان يعمل حارسا سابقا للمقبرة، وعملي يتلخص في الحفاظ على أمن المقبرة من دخول أشخاص متطفلين، والسماح للزائرين بدخول المقبرة". ويكشف أبو وسام أن هذه المهنة جعلته مرفوضا لدى العديد من الأسر، عندما يتقدم لها طالبا الزواج من إحدى بناتها، باعتبارها مهنة مخيفة لدى العديد من الفتيات اللاتي يرفضن فكرة الاقتران بزوج يعمل حارسا لمقبرة. ويضيف أنه عزم على البقاء في خدمة هذه المقبرة، وعدم التفكير في الارتباط مهما كلفه الأمر، مشيرا إلى أنه من المستحيل أن يجد الفتاة التي لا تهتم بمثل هذه المظاهر الخداعة. ويرى عبد الوهاب منان (عامل في إحدى مغاسل الأموات بجدة) أن عمله خدمة إنسانية للمجتمع، وبه أجر عظيم، يقول "لدي أطفال وزوجة، وأقدّر الحياة الزوجية، ولا أجد رفضا من قبل زوجتي، بل هي المعين لي على كل حال". وأكد منان أن من يعمل في هذه المهنة يجب أن يتميز بالصبر الشديد والدراية والإلمام التام بكل تفاصيل تجهيز الجنازة، حيث يتطلب هذا العمل جهدا جسمانيا وعقليا، نظرا للمواقف الصعبة التي قد يتعرض لها أثناء تجهيز الجنازة. وطالب منان بتغيير نظرة المجتمع لأصحاب هذه المهن البسيطة، والتعريف بأهميتها، لما لها من دور في خدمة كافة الشرائح، مؤكدا أن البطالة أشد مرارة. وكان للفتيات آراء مختلفة، حيث ذكرت غادة مراد (طالبة جامعية) أنها تفضل الاقتران بشريك حياتها بحيث يكون لديه المقدرة على تحقيق آمالها وطموحها، وتوفير العيش الكريم لها، معللة رفضها لشاب يعمل في مهنة بسيطة بعدم مقدرته على توفير متطلباتها في كافة جوانب الحياة. ويقول عضو المحكمين في وزارة العدل الدكتور أحمد المعبي "كل فتاة في هذه الحياة تحلم بشاب صاحب دخل واسع، يحقق لها آمالها وطموحاتها، ولا ترضى بالاقتران بزوج صاحب دخل ضعيف". وأضاف أن نظرة الإسلام تختلف عن نظرة المجتمع، حيث يزوج الرجل إذا كان صاحب دين ومال وخلق وأمانة، فالسعادة ليست باسم المهنة أو اسم الوظيفة، فهناك العديد من الفتيات اللاتي رفضن أصحاب المهن المتواضعة، وبالمقابل نجد العديد من الزوجات اللاتي اقترنّ بأزواج أصحاب مهن متواضعة، ويعشن حياة زوجية كريمة". وأكد الدكتور المعبي أنه ليس كل ما يرفضه المجتمع عين الصواب، فسابقا كانت هناك بعض الوظائف المتواضعة التي يحتقرها المجتمع كالحلاق والجزار والحانوتي وغيرها، ولكن مع مرور الزمان والتطور الذي يشهده المجتمع، تغيرت كافة المفاهيم، وأصبح هؤلاء رجالا أصحاب أعمال يمتلكون الصوالين ومحلات الجزارة وأصبح حلم الفتاة الاقتران بأمثال هؤلاء، مع أنه في السابق كانوا من أصحاب المهن المرفوضة لدى المجتمع. ومن جهته قال عضو هيئة التدريس في كلية الملك فهد الأمنية واختصاصي علم الاجتماع الجنائي الدكتور صالح الدبل "لا بد من التفرقة بين أمرين، المهن التي ينظر إليها كثير من أفراد المجتمع على أنها وضيعة، والمهن التي ينظرون إليها على أنها مقززة أو مخيفة، فالنوع الأول مهن عادية يتكسب منها الناس، ويعيشون عليها كمهن النجارة والحدادة والجزارة وغيرها، فهذا النوع مازالت النظرة الاجتماعية له نظرة دونية ومرتبطة بالتعصب القبلي في معظم الأحيان". وأضاف أن كثيرا من الأسر ما زالت لا توافق أن يعمل أبناؤها في هذه المهن، حتى ولو كان الدخل الاقتصادي فيها كبيرا، فالحرف اليدوية عموما ليست مرغوبة لدى كثير من الناس، ولا يوافقون على تزويج بناتهم ممن يمتهنها، ولو حصل ذلك قد يقاطع بعض الأقارب هذه الأسرة، وقد يصل الأمر إلى الشكوى الرسمية من قبل أبناء العمومة والأقارب، لأن ذلك يربط بالانتماء القبلي. وذكر الدكتور الدبل أنه "رغم قلة من يعمل في الحرف اليدوية من المواطنين السعوديين، إلا أن نظرة أفراد المجتمع مازالت تفتش عن الأصول، فلا يكفي عمل الفرد فيها، بل تعداه إلى المهنة السائدة التي يمارسها الآباء والأجداد، وهذا يجعل الأمر في منتهى الصعوبة، ويدل على تغلغل العصبية لدى بعض الناس، لأن ذلك ليس مرتبطا بالفرد نفسه، وإنما هو مرتبط بالآباء والأسلاف. وأضاف أن النوع الثاني وهو وظائف الحانوتية وحارس المقبرة وماشابههما، فهي مهن قليلة جدا في المجتمع، ولا تشكل مشكلة اجتماعية واضحة، غير أن هذه المهن قد ينظر إليها عموما بشيء من التقزز أو الخوف، لارتباطها بما يخاف منه معظم الناس وهو الموت والمقابر وماشابهها". وقال الدكتور الدبل إن هناك أضرارا نفسية تعاني منها الأسر التي يمتهن عائلهم هذه المهن من حيث نظرة المجتمع إليهم، مما يجعل الأولاد يتقوقعون على أنفسهم، ولا يقيمون علاقات اجتماعية مناسبة مع الآخرين، ويترددون في الطلب الزواجي من غيرهم، خشية الرفض أو التسفيه والإزدراء المباشر"، مشيرا إلى أن هذا الوضع يخلق جوا غير صحي في المجتمع، ويعمق الطبقية بين الناس، ويجعلهم لا يتكيفون مع مجتمعهم بشكل جيد.