كنت أظن أن لنا خصوصية لا تضاهى؛ لدرجة أنني لا أعترف بأي رأي أو فتوى أسمعها من أي شخص، كائنا من كان، إذا كان من أرض غير أرضنا. بل كنت أظن أن لا قوة في الأرض تستطيع أن تنافسنا، وأن حكيم القبيلة يستطيع بكلامه المجالسي أن يفحم أعتى سلاطين العالم، حتى حضر الصينيون للقرية لغرس أعمدة الكهرباء ومد الأسلاك؛ فرأيت لأول مرة خلقا آخر غير مخلوقات القبيلة وملابس غير ملابسها وسمعت كلاما لم أفهم منه شيئا إلا بشق النفس عن طريق فك بعض الإشارات، وسرت بيننا شائعات عن هؤلاء الذين يقتحمون القرية وأنهم أولى علامات الساعة، وتعجبنا كيف لا نفهم كلامهم بينما لا يختلفون عنا في الضحك والبكاء، ثم رأينا من أحدهم عجبا عندما أحضر في صباح يوم علاجا لطفل أكلت اللشمانيا أنفه، ليشيع بيننا أنهم أناس طيبون، وبأخلاق ديننا يتعاملون، حتى انتهت طيبتهم في قلوبنا أقصى درجاتها يوم غردت الكهرباء في البيوت وولى الظلام الأدبار، ولكن الذي لا يمكن أن ننساه منهم والذي أبهرنا حق الإبهار وأصاب خصوصيتنا في الوريد، ما شاهدناه من قوتهم وجلدهم في العمل وتفانيهم فيما أوكل إليهم، ومواجهتهم للأخطار أثناء تسلقهم جدران القرية وأعمدة الكهرباء. كل ذلك حول في أذهاننا كل معاني القوة التي كنا نتباهى بها، والتي توارثناها من حكايات عنترة بن شداد وفرسان القبيلة، يوم التقى جمعان من قريتين بفؤوس وهراوى يتقاتلون على خلاف قديم من بقايا إرث حدودي قبل الحكم السعودي الذي حمى الله به رقاب العباد، فوثب الصيني ليفك الخناق بكلام غير مفهوم لكن القوم احتقروه ولم يلقوا له بالا، فما كان منه إلا أن قفز في المعمعة، وبحركات بهلوانية تناثرت أسلحتهم في كل مكان وعاد كل فريق من حيث أتى أمام أنظار الجماهير؛ بما عرف لاحقا بغزوة الصيني. أكتب هذا ليعلم الجميع أن إبهار العالم لا يكون بمنع الكتب في عصر الانفتاح، ولا بشن غارات على توافه من المنكرات أمام سمع العالم وبصره، تضر ديننا، وتسيء لسمعتنا ومكانتنا بين الأمم. وإنما الإبهار في احترام الآخر، وتحقيق منجزات عالمية في الفن والرياضة والعلوم، ضمن خصوصيتنا التي لا تفرق بين العربي وغيره إلا بالتقوى.