"طفل يحمل سكينا ويده ملطخة بالدماء"، هذه الصورة لم تكن مشهدا مخيفا في فيلم سينمائي، أو لقطة عابرة من مئات اللقطات اليومية للمجازر والعنف الذي يجتاح العالم العربي، بل هي عبارة عن صورة التقطها مصور فوتجرافي سعودي لابنه، كادت تتسبب في منعه من ممارسة هواية التصوير نهائيا. ويحكي المصور السعودي حمدان الدوسري، ل"الوطن" قصة تلك الصورة التي أطلق عليها اسم "انتحار" قائلا: قررت في هذه الصورة وما بعدها من الصور التي افتخر بها، أن يكون النموذج (الموديل) هو ابني الذي لا يتجاوز عمره (7 أعوام) أطرح من خلاله قضايا اجتماعية مختلفة. وأضاف: كانت صورة "انتحار" تحذير بأسلوب فني من خطر ترك الآلات الحادة في متناول الأطفال... والحقيقة أن المشهد كان لا يحتمل النظر فلم يتقبله ابني وقت التنفيذ بسبب الخوف الشديد الذي انتابه، وحينما شاهدت والدتي "الصورة" نهرتني بقوة ، وقالت لي ابتعد عن تصوير ابنك، في جميع أعمالك الفنية. لكن الجميع تقبل الأمر بعد ذلك. ويؤكد الدوسري أن صورة "انتحار" لم تكن سوى بداية مشروع شخصي جعلت ابني الصغير فيه موديلا لكل الصور التي تناولت الكثير من القضايا والأفكار من أهمها، ملامح الحياة في الماضي والفقر والتشرد. يضيف "عملي على هذا المشروع جعل ابني أقرب لي جدا وفي كل الأوقات، سواء في البيت، أوالبر أو البحر أو أي مكان أقصده للتصوير، مما جعله يتقبل فكرة أن يكون "موديلا" لأعمالي الفنية، والمثير أنه كان يصر على أفكار جديدة كل مرة". وتظهر معظم صور الدوسري في هذا الإطار باللونين الأبيض والأسود، ويبرر ذلك بقوله "أنا مفتون بامتزاج الألوان وتدرجاتها، تستهويني الطبيعة وخضرتها، عناق الأرض بالسماء، منظر الشروق والغروب وألوانه الباردة، لكن عشقي لامتزاج الأبيض والأسود وتدرجاته أكثر، وربما يعود الأمر إلى مخزون عاطفي بداخلي، لأن الأبيض والأسود يعبران بشكل أقوى عن حالات إنسانية كثيرة مثل الفقراء والتسول وأطفال الشوارع والعودة إلى الماضي ماديا ومعنويا. وينفي الدوسري أن يكون اطلع على أية تجربة يستخدم فيها مصور آخر ابنه "موديلا" لأعماله، مضيفا "من خلال المتابعة والاطلاع لم أجد من يستخدم ابنه لصناعة تلك المشاهد، بل البعض لم يفضل أن أستخدم ابني في أكثر من مشهد". وفي حديثه عن واقع التصوير الفوتوجرافي في المملكة، يرى أن المملكة تحتضن قدرات وكفاءات ومواهب من الهواة والمحترفين، القادرين على العطاء وصناعة الصورة الفنية المميزة جدا والنهوض بثقافة الصورة الفوتوجرافية، لكنهم بحاجة إلى أكاديمية تصقل تلك المواهب، بالإضافة إلى جهة تعمل على حفظ الحقوق وتذليل العقبات أمامهم"، مشيرا إلى أن "الكثير من مسابقات التصوير المحلية ما زالت تحتاج إلى نظرة جادة فليس فيها معايير حقيقية".