عندما تسير في شوارع الرياض كثيرة "التحويلات" والحواجز الخرسانية التي فرضتها المشروعات التنموية اللافتة، توقن أن عاصمة أهم دولة في العالم الإسلامي التي تضم الحرمين الشريفين، تتنفس الكتاب حتى في ظل تصاعد الغبار من تحت عجلات معدات المشاريع، فبمجرد أن يخرج الشخص إلى خارج الفندق الذي يسكن فيه ضيوف وزارة الثقافة والإعلام لمعرض الرياض الدولي للكتاب 2013، تستقبله سيارات النقل الخاص المعروفة محليا ب"الليموزين" فيهتف لك قائد المركبة بأنه متجه إلى معرض الكتاب إن أردت الركوب معه في حال لم تلحق ب "الباص" المجاني الذي خصصته إدارة المعرض لضيوفها، وإن وافقت بعد نقاش قصير على السعر، فثق أنك ستدفع ما لا يقل عن 20 ريالا وقد يصل المبلغ إلى 30 ريالا، على الرغم من أن المسافة بين الفندق ومقر المعرض ليست بعيدة، ولكن المبرر السريع الذي ستسمعه هو أن الشوارع المحيطة بالمعرض مزدحمة جدا. اللافت أن بعض السائقين، وخصوصا العرب والسعوديين منهم على وجه الخصوص، قد يفاجئون الراكب بأسئلة عن المعرض وعن الكتب التي ينوي شراءها، وقد وجه أحدهم سؤالا ل"الوطن" حول الكتب الأكثر مبيعا منذ مساء أمس. وعلى الرغم من أن المعرض في يومه الثاني (أمس الأربعاء) وهو يوم عمل لجميع موظفي وموظفات القطاعين العام والخاص إلا أن امتلاء المواقف وأصوات منبهات السيارات وصراخ بعض منظمي السير داخل مواقف المعرض يعطي إشارة واضحة لزائر المعرض أن الازدحام في الداخل أكبر، وهو ما يحدث فعلا، فلن تدلف من إحدى بوابات المعرض وتحاول الحصول على سلة كتب من تلك السلال التي وضعتها إدارة المعرض لخدمة الزائرين إلا وستجد من يسابقك عليها، فعلى الرغم من عددها الجيد إلا أنها بالتأكيد لن تغطي الطلبات الكثيرة. لا علاقة للثورة بدور النشر المصرية أكثر ما يلفت الانتباه (أمس) للمتجول في ردهات المعرض هو تلك الحركة "المرتبكة" لمعظم دور النشر المصرية التي ما زالت منذ مساء أول من أمس تسابق الزمن في ترتيب المؤلفات التي أحضرتها للمعرض، بل إن بعضها ما زال خاليا إلا من أكوام "الكراتين" المعبأة التي لم تفرغ بعد. وفي نقاش بدأته "الوطن" وشارك فيه زائرون للمعرض حول السبب، نفى عدد من أصحاب تلك الدور أن يكون للأحداث الحالية في مصر أي دور في الأمر وأرجعوا الأمر إلى أن متعهد الشحن من مصر متعهد واحد لجميع الدور، وأنه هو المتسبب الوحيد في تأخر شحنات كتبهم للمعرض. الواقع أن أجنحة دور النشر المصرية ليست الوحيدة التي لم تنته من ترتيب كتبها، فقد رصدت"الوطن" دار نشر عراقية لا يوجد فيها أي كتاب حتى ظهر أمس. دار نشر وفواصل للنساء وفي مقابل الركن الكبير الذي تحتله دور النشر المصرية، كان الازدحام الشديد على عدة دور نشر سعودية لافتا، ولعل أبرزها "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" ودار "طوى" ودار "جداول"، حيث اضطرت "الشبكة العربية" لوضع حاجز صغير داخل جناحها الضيق نوعا ما، بين الرجال والنساء، بسبب الازدحام الشديد عليها. اللافت أن الكتب التي تسببت في هذا الازدحام تتركز حول الفكر السياسي والديني في المملكة والعالم العربي، في ظل تراجع واضح لكتب الإبداع، سوى بعض الروايات ذات العناوين اللافتة ، أو تلك التي سبقتها حملة إعلامية عبر "فيس بوك" و"تويتر". ولعل أكثر الكتب التي يراها أي زائر للمعرض بين يدي زواره الكتب التي تتحدث عن"الوهابية" و"الشيعة" و"الصحوة الإسلامية" إضافة إلى كتب تتحدث عن جرائم بعض قادة الأنظمة العربية التي سقطت خلال "الربيع العربي". 100% فارق سعري بين جهتين لكتاب واحد على الرغم من إيجابية الشراكات التي عقدتها الأندية الأدبية في المملكة مع دور نشر عربية في بيروت وعمان والقاهرة، من جهة التوسع في الانتشار للكتاب السعودي الصادر عن هذه الأندية، إلا أن معرض الرياض كشف أمس عن وجه سلبي، يمكن وصفه ب"الاستغلال" الواضح، حيث يباع أحد الكتب في جناح دار نشر عربية معروفة بزيادة تصل إلى 100% عن سعره الذي يباع به في جناح نادي الرياض الأدبي! جهات حكومية .. واجهات باذخة ورفوف خالية مع أن الكثير من دور النشر التي تشارك سنويا في معرض الرياض الدولي للكتاب تشكو منذ سنوات من المساحات الصغيرة المخصصة لها، وفي الوقت نفسه تمنح جهات حكومية عدة مساحات واسعة، إلا أن هذه الجهات الحكومية لم تعد تهتم بإغلاق تلك المساحات ب"أي شيء"، حتى ولو كان ملصقا دعائيا. بل أصبحت تتركها خالية تماما إلا من روائح البخور والعطورات الباريسية، مع الاهتمام ببذخ الديكورات وألوانها اللافتة. ولذلك لم يعد لدى موظفيها الذين يجلسون على أرقى الكراسي سوى تقليب أجهزة"الجوال" وتبادل الرسائل النصية والمقاطع المضحكة.