في الأيام القليلة الماضية، شاهدنا المتقدمات للوظائف التعليمية، اللائي انتظرن الوظيفة لسنوات عدة، وصبرن على عناء مطالباتهن الطويلة، حتى ضاق بهن الصبر وهن يترددن على أبواب وزارتي الخدمة المدنية والتربية والتعليم، يحدوهن الأمل أن تثمر هذه المطالبات ويرق لهن الضمير. ولكن – بكل أسف – كان الرد على تلك المطالبات التي هي في أصلها حقوق مشروعة لهن، قد جاء على طريقة "داوها بالتي كانت هي الداء"، فمطالبهن بالوظيفة اصطدمت بابتكار جديد يطلب منهن ضرورة اجتياز اختبار القدرات للمعلمات، بل زيادة على ذلك فإن اجتياز الاختبار لا يعني ضمان الوظيفة أبدا، إذ لا بد لهن من العودة لقوائم الانتظار من جديد. بمعنى أن المشقة السابقة في طول مدة انتظار الحلم الكبير وهو الوظيفة، قد زيدت معها مشقة أخرى تتمثل في اجتياز اختبار القدرات بعد طول انقطاع عن مقاعد الدراسة الجامعية!!! إن الاستنتاج الطبيعي لهذا القرار، هو أنه بمنزلة الزجر لهن، والردع لمطالباتهن المتكررة بتحقيق أمنية الوظيفة، أيا كانت في القطاع الحكومي أو الخاص، وبالتالي ففي هذا إنذار لمن تسول لها نفسها أن تحلم بالوظيفة. هذا هو الاستنتاج المنطقي لمسببات ودوافع هذا القرار، وإلا فكيف للعقل أن يستوعب وكيف للضمير أن يهنأ بأنه بعد عناء هذا الانتظار الطويل لهؤلاء المتقدمات، وبعد سنوات طويلة مضت على تخرجهن في الجامعات، حتى إن البعض منهن تجاوزن عشرة أعوام من الانتظار وربما أكثر. ولو كان عاما واحدا لكان كافيا لمسح كثير من الحشو العلمي الركيك، الذي كن يتجرعنه مرارة أخرى في دراستهن الجامعية، ومعاناة أخرى في الطريق إلى الوظيفة. وبدلا من إعانتهن ببرامج تأهيلية تعيدهن إلى المستوى المطلوب من الكفايات المطلوبة للعمل التربوي، فقد جاء هذا الاختبار ليبدد الآمال ويقضي على ما بقي من الطموحات والأمل. - أين المنطق في أن يفرض اختبار القدرات على هؤلاء المتقدمات وقد دفنّ كل تحصيلهن العلمي تحت ركام سنوات انتظار عجاف يكسوها الفراغ والمعاناة وسأم الانتظار ؟! _ ألم يعلم المسؤول أن نسبة كبيرة من الخريجات هن في تخصصات علمية ونظرية بحتة ولسن مؤهلات تربويا في الجامعات. فكيف نجعل مستقبلهن على محك اختبار يركز على الجانب التربوي بشكل أكثر.. فأين العدل والإنصاف؟ جانب آخر يثير الدهشة والاستغراب يلحظه أي متابع بسيط للإعلام، وخاصة الصحف حين لا يجد لهذا الموضوع أي اهتمام يذكر في أعمدة صحفية عادة ما كانت تظهر في دور مناصرة قضايا المرأة، والدفاع عن حقوقها وغيرها مما اعتدنا تناوله عبر بعض الأقلام. فأين تلك الأقلام من هذا التعنت الذي تمارسه بعض الجهات المعنية تجاه قضية هي من أهم قضايا المرأة، وهي حقها في الوظيفة والعمل الذي يتناسب مع طبيعتها وقيمها من خلال مجال التربية والتعليم. وأخيرا.. فإن المعاناة التي نجدها اليوم في حياة كل معلمة بعد الوظيفة، هي بحد ذاتها قصة ألم كبيرة لا تحتاج للمزيد، أما إذا امتدت أيضا المعاناة وسبقت حتى لمرحلة ما قبل الوظيفة، فتلك مأساة حقيقية وجرح عميق.