مع غياب شمس الأربعاء من كل أسبوع، تدب في ساحة بحي الدرب بوسط خميس مشيط حركة غير عادية. فالساحة الكبيرة المحاطة بمحال تجارية من كل صوب، تصبح مقصداً لباعة يسعى كل منهم إلى حجز مساحة له يبسط فيها بضاعته من الخضار والفواكه والمواد الغذائية وغيرها. والباعة والزبائن الذين يحوّلون المكان إلى "بحر" من البشر في اليومين التاليين أي الخميس والجمعة، معظمهم من الجنسيات الآسيوية يتقدمهم البنجاليون حتى أصبحت الساحة تسمى ب "سوق البنجال". وهذا النشاط برمته "مخالف" لأنظمة البلدية التي علّقت في الساحة لافتة تحذر من ممارسة هذا النوع من التجارة تحت طائلة مصادرة البضائع، وكذلك يحضر مراقبوها باستمرار إلا في الإجازة الأسبوعية فيغيب "الرقيب" ويبدأ دبيب حركة البيع والشراء، التي يزاحم فيها المقيمون المواطنين. "العشوائية" سمة البيع والشراء والعرض في هذا المكان الذي أصبح مرفقاً تشكلت من خلاله علاقات اجتماعية بين أبناء الجنسيات المقيمة، والذين يقطع بعضهم مئات الكيلومترات للوصول إليه. كسب الزبائن "الوطن" زارت "السوق" في فترات مختلفة، صباحاً ومساء، أيام الأسبوع وفي نهايته. في وسط الأسبوع كان هادئا راكداً خصوصاً في الفترة الصباحية، بينما تنتعش الحركة التجارية فيه نسبياً في الفترة المسائية. أما بحلول مساء الأربعاء فتتغير حاله كلياً خصوصاً بعد الساعة العاشرة مساءً حيث يبدأ أصحاب البسطات المخصصة لبيع الخضار في حجز مقاعدهم، استعداداً للبيع والشراء الذي يلتهب بشكل كبير يومي الخميس والجمعة. ورصدت "الوطن" خلال زيارتها سيطرة الجنسيات المقيمة على بسطات بيع "الخضار" بوجه خاص، بينما يقف بعيداً أصحابها من "السعوديين" إذ يؤجرها بعضهم لعامل من بنجلاديش أو يوظفه فيها، بهدف كسب الزبائن. هنا بسطة خضار، وهناك بسطات بوسط السوق لبيع أنواع مختلفة من الألبسة والمفارش، وفي الجانب الآخر باعة يمارسون بيع الدجاج بأسعار تتدرج من 5 إلى 30 ريالاً حسب الحجم للدجاجة. أما الأسعار خصوصاً الخضروات، فتتفاوت بين بسطة وأخرى، ومن وقت إلى آخر، إذ يسعى أصحاب تلك البسطات إلى إعطاء "خصومات هائلة" في الساعات الأخيرة من مغرب يوم الجمعة. شكوى ومعاناة وحاولت "الوطن" أيضاً، إجراء حوار مع بعض الباعة السعوديين إلا أنهم بدؤوا بالتنحي والابتعاد، بل إن بعضهم رفض "التصوير"، إلا أن بعضهم طلب سماع شكواهم ونقل معاناتهم التي أوجزوها بأنهم يقعون بين "مطرق البلدية والنظام" و"سندان الحاجة لإغلاق أفواه من يعولونهم". وتكفل بائع الخضار السعودي مراد مباركي بالحديث عنهم كباعة سعوديين، وقال: "نحن نعمل في هذه المهنة منذ سنوات، لأنها الوسيلة الوحيدة لكسب العيش الكريم. توجهنا مراراً إلى مسؤولي بلدية محافظة خميس مشيط مسبقاً، والتقينا برئيسي البلدية الحالي والسابق وطلبنا منهما السماح لنا بالعمل في هذه السوق من خلال تنظيم وإنشاء محال صغيرة منظمة وفرض رسوم تأجير علينا، أو إعطاءنا رخصاً لفتح محلات بحي الدرب الذي يقع فيه "سوق البنجال"، غير أن مسؤولي البلدية رفضوا تلك الطلبات". وأضاف مباركي: يبدأ عملنا بعد الساعة العاشرة مساءً بوسط الأسبوع بعد أن يتم التأكد من انتهاء عمل "رقابة البلدية" المسائية، بينما يبدأ عمل البسطات في السوق مساء الأربعاء من كل أسبوع حتى يوم الجمعة"، مبيناً أن غالبية البسطات في السوق هي ل "جنسيات مقيمة"، وأنه في حال تم تنظيم السوق وتحت إشراف البلدية لن يبقى الإ عدد بسيط من البسطات التي يعمل أو يمتلكها سعوديون. ولم ينف مباركي زيارات مراقبي البلدية من فترة لأخرى عدا يومي الخميس والجمعة لأنهما يوما "إجازة أسبوعية" لموظفي البلدية ومراقبيها، نافياً أن تكون "الخضار" المعروضة بالسوق "فاسدة" أو "غير صالحة"، وقائلاً "مصدر الخضار حلقة وادي بن هشبل أما "الورقيات" فلا أعلم بمصدرها تحديداً". وبين مباركي معاناتهم من المضايقات التي يمارسها الباعة "المقيمون"، وأنهم كباعة سعوديين استعانوا بهم للعمل في بسطاتهم لجذب الزبائن من أبناء جلدتهم، كونهم لا يرغبون الشراء أو البيع من البائع السعودي. نقطة التقاء وتحدث ل"الوطن" عبدالغفور حسين ومشتاق ومظفر من الجنسية البنغالي التقتهم بوسط السوق أثناء جلوسهم على أحد المقاعد بالسوق، مؤكدين أنهم اعتادوا الالتقاء هنا منذ سنوات طويلة هم ومن يعرفونهم بالسوق، وأن لهم أصدقاء يأتون من جازان وبيشة ونجرى وقرى ومحافظات قريبة من خميس مشيط، وأن السوق أصبح موعداً متعارفاً عليه على أقل تقدير مرة واحدة في الشهر إذا كانت المسافة بعيدة، وأن هناك أصدقاء لهم تمت معرفتهم وتشكيل صداقة معهم من خلال السوق ولم يكن هناك معرفة سابقة قبلها. وأكدوا أنهم يتعمدون الحضور للسوق ل"التبضع" من أسواق البلد بشكل عام خصوصا المحال التي تبيع مستلزماتهم الخاصة بهم، إضافة للالتقاء بالأصدقاء والأقارب الذين يعملون في أماكن مختلفة وبعيدة. رقابة شاملة وحملت "الوطن" ما رصدته في "سوق البنجال" إلى رئيس بلدية خميس مشيط الدكتور مسفر الوادعي فأوضح أن السوق من الأسواق القديمة وسط المدينة، وتتوسطه ساحة تمارس فيها مخالفات البيع من قبل بعض الباعة المتجولين، وأغلبهم من الجنسية البنجالية، وأن البلدية تمارس تطبيق التعليمات بحق المخالفين وتمنع البيع في تلك الساحة كونها للمواقف والترفيه، وهناك لوحات للبلدية تحذر من البيع فيها. ولفت الوادعي إلى أن السوق يخضع للإشراف والمتابعة خلال أوقات الدوام الرسمي، وكذلك توجد فرقة مسائية تعمل يوميا من السبت إلى الأربعاء، مضيفاً إلى أن هناك متابعة قادمة للسوق طيلة أيام الأسبوع بما في ذلك الخميس والجمعة وعلى مدار الساعة من خلال عمل "إدارة الرقابة الشاملة" التي ستبدأ عملها قريباً. وأضاف الوادعي أن مكتب البلدية المقام بالسوق يعمل أيام الأسبوع في الفترة المسائية من السبت إلى الأربعاء، وبه كوادر يؤدون عملهم على أكمل وجه وعملهم ميداني طوال الفترة المسائية، ولا يوجودون في المكتب إلا عند انتهاء فترة عملهم، وذلك لإعداد التقارير والرفع بها بشكل دوري، كما تقوم وكالة الخدمات على فترات بحملات أيام الخميس والجمعة، ويتم خلال هذه الحملات ضبط مخالفين ومصادرات وتطبيق لائحة الغرامات والجزاءات على من يتم القبض عليهم. ونفى الوادعي أن تكون هناك بسطات عشوائية في السوق، مضيفاً لأنه في الفترة بين دوام الرقابة الصباحية والمسائية يقوم عدد من الأجانب باستغلالها وأيام الخميس والجمعة، مشيراً إلى أن هناك لجنة مشكلة من المحافظة والبلدية والجوازات تقوم بجولات على هؤلاء الباعة ويتم تطبيق النظام بحقهم. عشوائية المتسترين واتهم الوادعي الأجانب ومجموعة من السعوديين المتسترين بالوقوف خلف استمرار السوق بالطريقة العشوائية، مؤكداً عمل البلدية على مدار الساعة للقضاء على تلك السلبيات والمخالفات والتجمعات التي تحصل خارج أوقات الدوام وأيام الخميس والجمعة، من خلال عمل موظفي اللجنة المشكلة بموضوع أسواق الخضار والباعة المتجولين. وأكد الوادعي أنه لا يوجد أي مواقع استثمارية للبلدية في نفس الموقع بسوق حي "الدرب" (سوق البنجال) وإنما توجد أسواق مخصصة لبيع الخضار والفواكه في شمال وجنوب المحافظة فقط، لافتاً إلى أن البلدية لا تمانع في عمل التراخيص اللازمة لأي موقع تنطبق عليه الاشتراطات لفتح محل. وأضاف الوادعي أنه تم رصد عدة مخالفات بالسوق في والبيع والشراء بالمواد الغذائية المعدة بطريقة غير صحية وغير صالحة للاستعمال الآدمي، والمنتهية الصلاحية، والعرض بطريقه خاطئة، وتعرضها للشمس والأتربة، وكذلك مجهولة المصدر والتجمعات المشبوهة التي تعرقل حركة المارة والسير بشوارع ومداخل السوق ومضايقة مرتادي الأسواق، كما أن بعض العمال يستعمل العربات اليدوية والسيارات لعرض بضائعهم بدون مبالاة، إضافة إلى أنهم يقومون بالعبث بالممتلكات العامة من أرصفة وأشجار وعدم الاهتمام بالنظافة وغيرها، وأنه تم ضبط بضائع فاسدة وتم إتلافها وتطبيق لائحة الجزاءات والغرامات بحق المخالفين. وبين الوادعي أن الباعة الموجودين ب"سوق الدرب"هم نفس المجموعة التي تبيع بسوق شرق المحافظة قبل إغلاقه، نافياً أن يكون الإغلاق هو السبب الذي دعاهم للعمل ب"سوق الدرب".