بين ألم الداء وأمل الشفاء.. يقضي أغلبية مرضى مستشفى "نقاهة" عقودا من الزمن، في مبنى تداهمه يوميا أدخنة كيميائية متصاعدة من المصانع المجاورة، فيما حوّل بُعد المسافة وما يجري بين أروقة المستشفى إلى أن يكون أشبه بمعتقل، في وقت لا يمكن لمصابي الشلل الرباعي الدفاع عن أنفسهم، أو البوح بمعاناتهم سوى بإشارات مبهمة تطلقها أعينهم بعد أن فقدوا الإحساس بكل جزء من جسدهم، حينها يقف الزائر عاجزا حيال ما يريدون. "الوطن" تجولت داخل المستشفى في ساعات الصباح الأولى من أحد الأيام القليلة الماضية، إذ كان الهدوء يخيم على أروقة المستشفى مع خلو مكاتب الاستقبال والطوارئ من موظفيها، وكأنه موقع مهجور لا يعمل به أحد، قبل أن يحضر بعد لحظات أحد "المسؤولين" بالمستشفى ليرد على أسئلة عن حال المرضى وكيفية رعايتهم الصحية. وبدأ المسؤول في رده على "الوطن"، بأن المستشفى لا ينقصه شيء سوى العلاج الطبيعي، وكان مترددا في حديثه عن الإجهزة التي ألمح بأن المريض لم يعد بحاجة لها بعد أن تيبست أعصابه رغم وصول هذه الأجهزة للمستشفى قبل مدة، وتابع "ليس المستشفى بحاجة إلى قسم طوارئ؛ لأن نزلاءه يأتون بعد تحويلهم من قبل المستشفيات الأخرى بعد تأكدها بعدم وجود علاج ناجع لحالاتهم وأنها ميؤوس منها". وأوضح أن المستشفى يوجد به 145 نزيلا بين الرجال والنساء منهم 35 امرأة يمثلون الطاقة الاستيعابية للمستشفى، إذ يوجد ما يقارب 160 سريرا ويستخدم جزء منها في الحالات الطارئة، مبينا أن هناك نواقص يحتاجها المرضى كالشامبو، والمطهرات، والكريمات ومنها الفازلين، والبودرة، الحفائض، والبطانيات التي تستخدم للنزلاء بشكل يومي ومتكرر، مشيرا إلى أن وزارة الصحة تقوم بواجباتها على أكمل وجه، إلا أن احتياجات النزلاء كثيرة، ويجب على الجميع التعاون للأجر أولا، ورفع معنويات النزلاء ثانيا. وذكر المسؤول ل"الوطن" أن هناك احتمالا بنقل المستشفى إلى موقع آخر كون المسافة وموقعه بعيدان، مبينا أن المرضى يعانون من حزن بسبب فقدانهم أبناءهم وأسرهم لسنوات، فيما تستغل بعض الأسر مرض الأبناء أو الآباء من أجل طلب مبالغ مالية من المسؤولين وغيرهم، متمنيا أن تكثف الزيارات من قبل ذوي النزلاء ومن يحبون الخير؛ لأن هؤلاء بحاجة إلى من يستأنسون به حتى لو بالنظر لهم. وأضاف: أن النزلاء جميعهم يعانون من الشلل الرباعي أو الغيبوبة جراء الحوادث والمركبات وهم الأغلبية، فيما تتباين أسباب المرضى الآخرين، بين الجلطات أو السقوط من أماكن مرتفعة، مبينا أن هذا المستشفى يحمل قصصا محزنة انعكست سلبا على المرضى. وبيّن أن بعض المرضى يعيشون في هذا المستشفى منذ مدة تتراوح ما بين 20 و30 عاما، وأن أحدهم كان طفلا وأصبح رجلا في نطاق لا يتجاوز مساحة المترين في الغرفة المخصصة له، وأن والدته تزوجت، وبعد ذلك رفض زوجها زيارة ابنها الذي تجاوز عمره الآن الثلاثين ولم يرها منذ طفولته، فيما يوجد نزيل بالغرفة رقم 6 يدعى فواز بإمكانه التجاوب مع الآخرين عن طريق الكتابة فقط. ولم يغب الحديث عن القسم النسائي الذي قال عنه المسؤول أن النزيلات بحاجة إلى زيارة واهتمام أكثر لرفع معنوياتهن من خلال الهدايا، خاصة أن منهن الأم والأخت، بعضهن ما زلن في سن الشباب، ولكن الحوادث حالت بينهن وبين ممارسة حياتهن بشكل طبيعي. وعلى السياق ذاته، زارت "الوطن" عددا من المرضى الذين كانوا بالدور الأرضي من المستشفى والوقوف على حالتهم، فيما لم يسمح للزيارة من كانوا بالدور الثاني بحجة أنهم نائمون ويصعب إيقاظهم. يذكر أن المستشفى يضم بين جنباته الأستاذ أحمد الشهري، الذي أكمل شهادة الماجستير في علوم الشريعة من داخل المستشفى، ولاعب نادي النصر والمنتخب سابقا سالم مروان.