أيها المثقف إلى أين؟ لاحظتُ مثلما لاحظ غيري بأنّ فئامًا من الناس استسهلوا إطلاق بعض الألقاب على غير أهلها حتى عجّت الساحة الثقافية بنخبة من المثقفين والمفكرين الوهميين الذين وصلوا إلى هذه الألقاب من خلال تزكيات مضلّلة، تستند إلى معايير مزاجية صرفة، بعيدة كل البعد عن الموضوعية، تقوم على اعتبارات اعتباطية، وفي النهاية تقود المشهد الثقافي إلى وحول الثقافة. أرباب الثقافة الوهمية يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم لا ينتمون إلى الثقافة والفكر انتماء فعليًا، وليس لهم أية صلة بتلك الألقاب ومع ذلك يُدعون إلى الملتقيات والندوات ويعتلون منابر الأندية الأدبية، وعندما يستضافون تُكشف الحقائق، فلا يتحدثون عن ذواتهم التي عرفوا بها، ولا عن مبادئهم وأفكارهم التي أسهموا في نشرها، مدركين بأنهم لن يفلتوا من شبح التناقض الذي يجبرهم على جلد ذواتهم حينا تلو حين، ومنهم من يشترط على مدير الحوار أو الأمسية عدم طرح بعض التساؤلات وإعفائه من الإجابة، وبالتالي ينغمسون في مدح بعض الآراء والرؤى المتفق عليها، ويصدفون عن التوجهات المثيرة، ولا مشاحة لديهم أن ينقدون أنصارهم أمام الملأ لأسباب يحتفظون بها، حتى يكاد المتلقي أن يغير آراءه تجاه أفكارهم المثيرة للجدل. هؤلاء المثقفون دخلوا من سدة الثقافة محمولين على الأكتاف، فليس المتابع هو الذي يحار في أمرهم، ولا يعلم مصيرهم وأين يريدون أن يصلوا، وما أهدافهم؟ بل هم أيضًا يجهلون مصيرهم؛ لأنهم يكتبون ويتحدثون دون قناعة، لا رأي يمثلونه ولا مبدأ، هؤلاء عبء ثقيل على ثقافتنا.