إذا وطئت قدماك أرض "تاريخية جدة"، أو "منطقة البلد" كما يحب أن يطلق عليها ساكنوها بالمنطقة المركزية، فإنك لن تخرج منها دون أن ترتشف رشفات من الشاي التقليدي الأصيل ذي النكهة المتميزة". وحينما تلج إلى أحد المقاهي الشعبية المتوزعة على ضواحي المنطقة، وتطلب مشروبك الساخن "الشاي"، فتأكد أنك لن تشربه إلا بالقواعد والأصول المتبعة في الإعداد والتقديم، ووفق طقوس، وأدوات تراثية، وبالتأكيد سيكون من بينها "براد أبو أربعة"، الذي اشتهر على مستوى الحجاز، وتحديداً في العاصمة المقدسة، وجدة. وعن سبب تسميته بذلك، يقول أبو أصيل، وهو مشرف أحد المقاهي في المنطقة المركزية التي يبلغ عمرها اليوم 80 عاماً، "سمي "براد أبو أربعة" لأنه يحتوي على أربع "بيالات" "فناجين" شاي تكفي لشخص واحد، وكل من يدخل إلى القهوة يطلب براد أبو أربعة"، وهذه البرادات مصنوعة من رخام خفيف، ومزخرفة برسوم مختلفة، وتستعمل عادة في المقاهي الشعبية". نكهة شاي التاريخية لن تجدها في محلات "الكوفي شوب" الحديثة، أو حتى في الكافيتريات التي تبيع الوجبات الخفيفة، التي عادة ما تقدم الشاي بالنكهة السريعة، عبر وضع كيس "الشاي" الجاهز بالخيط في الماء الساخن، الذي يفقده - كما يقول محبو الشاي- في التاريخية "الكيف"، و"المزاج". لكن الشاي مع براد أبو أربعة لا يقدم بهذه الطريقة على الإطلاق، ففي المقاهي الشعبية يستخدمون وعاء يطلق عليه محلياً "البطة"، يغلى فيه الماء من الساعة السادسة فجراً وحتى ما بعد منتصف الليل بصفة مستمرة، مما يعطي الشاي نكهة مختلفة. ويضيف أبو أصيل أن سعر "براد أبو أربعة" لا يزيد عن الريالين، وأنهم يستخدمون "شاي التلقيمة"، مع إضافة كافة أنواع الحوائج التي تعطي الشاي نكهته الخاصة مثل النعناع المدني، والطائفي، والقرفة، والهيل. وإذا أردت أن تعرف حجم الجماهيرية التي يتمتع بها "براد أبو أربعة"، فما عليك إلا أن تدرج تلك المفردة على محرك البحث الشهير "جوجل"، الذي سيعطيك معلومات مفصلة عن قيمة ذلك "البراد" في نفوس الجداويين، فهناك بالفعل كثيرون يسألون عنه، ويوجهون أسئلة في المنتديات الإلكترونية عن أماكن بيع هذا الشاي التقليدي، لأنها تذكرهم بالأيام "الخوالي" في مقاهي جدة الشعبية. وسطر البعض كتابات مطولة عن مذاق شاي "براد أبو أربعة"، مستعيدين اجتماعات الأهالي في مقاهي الحارات القديمة في مكةالمكرمةوجدة، وكيف كانوا يجتمعون فيها لارتشاف الشاي المعد بالطرق التقليدية. أحدهم كتب يقول: "من طرائف هذه المقاهي، أن تسمع القهوجي وهو ينادي "براد أبو أربعة"، وكان هذا البراد دارجا على الألسنة حينها، حتى في مخاطبتهم لبعضهم، حيث يقولون "يعمل وهو زي براد أبو أربعة"، كما كان يضرب بهذا البراد المثل في سهولة الحصول على الشيء". المقاهي الشعبية تنتشر في كافة أسواق المنطقة التاريخية، وكل مقهى له نطاق للتحرك ومجال يبيع فيه على المحال التجارية. وفي العرف – الذي ما زال جارياً – لا يتدخل المقهى في نطاق بيع الآخر، مهما حدث، فهناك من يكون مجاله سوق "البدو" الشهير الذي كان يلجأ إليه البدو الرحل – قديماً- لشراء احتياجاتهم، وهناك من يكون مجاله سوق اللحم، وهكذا. طريقة عمل ديناميكة ومنظمة يتبعها أصحاب تلك المقاهي، فلديهم فترات بيع حاسمة في الصباح والعصر (بعد الساعة الرابعة من مساء كل يوم)، وقبل أن تفتح المحلات بدقائق معدودات يقوم العاملون بتلك المقاهي بتوزيع برادات الشاي على المحلات التجارية المجاورة دون "خلل أو اختلاط"، فكل محل له طريقته الخاصة في الشاي، وهذا ما يميز تلك المقاهي الشعبية. نقطة أخرى يمكن الإشارة إليها، وهي لجوء المقاهي الشعبية إلى عمل إشارة على البرادات الخاصة به، لتمييز أغراض كل مقهى عن الآخر، فكل مقهى يلون "قعر البرادات وفناجين الشاي" بلون يحدد أصول ملكيته، من دون أي عوائق. أما تحصيل الأموال من المحلات التجارية فلا تتم بالطريقة الفورية، بل تتم كتابة اسم كل محل بالأسلوب القديم على أحد أغلفة علب "الشاي" الكرتونية، ويتم تحصيلها آخر الليل قبيل الإغلاق بوقت قصير.