يُعتبر الجنرال دافيد بترايوس من أشهر الجنرالات الأمريكيين منذ ماكارثر وإيزنهاور، وهو يواجه الآن ما يعتقد كثير من المراقبين أنه أكبر تحدٍ في تاريخه المهني حتى الآن: مواجهة زخم طالبان في أفغانستان والمساعدة على استقرار النظام المتداعي للرئيس حامد قرضاي. لكن الجنرال بترايوس كان قد واجه تحديات أكثر صعوبة في العراق عندما استلم القيادة هناك في أوائل عام 2007، وقد نشرت مؤسسة (نيو أمريكا فاونديشن) في شهر يونيو المنصرم تقريراً عن التحديات التي واجهها بترايوس في العراق وكيف استطاع التغلب عليها، وذلك للتعرف على بعض المؤشرات التي قد تساعد على فهم ما يمكن أن يفعله الآن في أفغانستان. كان العراق يعاني من حرب أهلية عنيفة بين السُنَّة والشيعة وكان معدل عدد الضحايا المدنيين في شوارع بغداد 90 قتيلاً يومياً، وكان بعضهم قد تعرض للتعذيب بأساليب وحشية قبل قتله. وكانت وزارة الداخلية العراقية نفسها، التي يفترض أنها كانت مسؤولة عن أمن البلد، مليئة بفرق الموت الشيعية. وقد فاق عدد الهجمات الانتحارية في العراق بين 2003-2007 عدد جميع الهجمات الانتحارية في جميع دول العالم مجتمعة منذ 1981. وبسبب قسوة الحرب، اضطر ما يزيد على 5 ملايين عراقي إلى الهرب من مناطقهم واللجوء إما إلى دول أخرى أو إلى مناطق أخرى أكثر أمنا داخل العراق، ولم يعُد سوى عدد قليل من هؤلاء إلى منازلهم حتى الآن. وعلى الرغم من جميع أعمال العنف التي تجري في أفغانستان حالياً، إلا أن أكثر من 5 ملايين لاجيء أفغاني عادوا إلى مناطقهم منذ سقوط نظام طالبان. في العام الماضي، قُتل 2400 أفغاني في الحرب، ولكن عندما كان الجنرال بترايوس في العراق، كان حوالي 3200 مدني عراقي يقتلون كل شهر، أي أن العنف في العراق في ذلك الوقت كان أكثر ضراوة ب 15 ضعفاً من العنف في أفغانستان حالياً إذا تم احتساب نسبة عدد السكان في البلدين. وبعكس الاعتقاد السائد بأن الأفغان يعارضون الوجود الأجنبي في بلادهم، وجد استطلاع للرأي أجرته "أيه بي سي/بي بي سي" (bbc/abc) في مطلع هذا العام أن 62% من الأفغان يؤيدون وجود القوات الدولية في بلادهم. أما في العراق، فقد وجد استطلاع مماثل أجرته (bbc/abc) أيضاً بعد عامين من بداية الغزو الأمريكي للعراق أن ثلث العراقيين فقط كانوا يؤيدون الوجود الأجنبي في بلادهم. هذه فترة هامة بالنسبة لأفغانستان، حيث إن أساس مكافحة التمرد المسلح، حسب النظرية التي وضعها بترايوس في الدليل الميداني لمكافحة التمرد عام 2006، تستند إلى حماية السكان. وقد لعبت المبادئ التي احتواها ذلك الدليل دوراً إرشادياً في العمليات العسكرية الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان. وتقضي التعليمات بالتركيز على السكان واحتياجاتهم وأمنهم، مكافأة المتعاونين مع السُلطات الرسمية، وإفساح المجال للسلطات المحلية للقيام بالعمل حتى ولو كان بشكل أقل كفاءة مما يمكن أن تفعله القوات الأمريكية، شريطة أن يكون الأداء مقبولاً بالحد الأدنى. وقد ساعدت هذه المبادئ مع الوقت على تغيير مسار الأحداث في العراق. وقد جمع بترايوس، وهو يحمل درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية، عدداً من الخبراء المميزين لإعادة تقييم وإدارة الحرب في العراق. وعندما وصل بترايوس إلى العراق كان يحمل معه خطة وكان يتمتع بالدعم الكامل من الرئيس جورج بوش. وقد عمل فريق العمل الأمريكي الجديد والمقاربة الجديدة التي اتبعوها هناك على إخراج الجنود الأمريكيين من قواعدهم العسكرية المغلقة والمعزولة وإنزالهم إلى الأحياء العراقية للاختلاط بأبناء الشعب العاديين. وقد ساعد وصول 30 ألف جندي أمريكي إضافي إلى العراق على تنفيذ تلك الخطة بشكل أفضل في الوقت الذي وصل فيه بترايوس إلى العراق. وضَّح بترايوس استراتيجيته في رسالة من ثلاث صفحات وزَّعها على جميع الجنود الذين يعملون تحت إمرته في العراق، وجاء فيها "لا يمكنكم السفر إلى هذه المعركة ... العيش بين الناس أساسي لتأمينهم وهزيمة المتمردين ... قوموا بدوريات على الأقدام وتواصلوا مع الناس". كما كانت هناك تغييرات أساسية على الأرض في العراق شملت: - بروز حركات "الصحوة" التي تشكلت من مقاتلين سُنَّة يتلقون مرتبات من الجيش الأمريكي لأداء مهام أمنية. - تسجيل جميع العراقيين الذين في سن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية. - بناء جدران حول الأحياء المعرَّضة للخطر. - توفير أجهزة أفضل للكشف عن المتفجرات. وقد أظهرت الإحصائيات أن أحداث العنف التي وصلت ذروتها في أوائل عام 2007 بدأت بالانخفاض بعد ذلك في جميع المجالات، بما في ذلك أعداد هجمات المسلحين، عدد الضحايا المدنيين، وعدد قتلى الجيش الأمريكي وقوات الأمن العراقية، وعدد الهجمات باستخدام السيارات المفخخة. السؤال الآن هو: هل يستطيع الجنرال بترايوس وفريقه أن يفعلوا شيئاً مماثلاً في أفغانستان؟ تقول الدراسة إن الجنرال بترايوس سيتبع في أفغانستان استراتيجية مماثلة لاستراتيجية سلفه الجنرال ماكريستال. لكن بترايوس يعرف أن الوضع في أفغانستان قد يكون أصعب من العراق، وأن عناصر طالبان ليسوا مجموعة من المقاتلين الأجانب كما كانت القاعدة في العراق. ثم إن الحركات المسلحة في العراق لم تتمتع بملاذ آمن بنفس حجم المناطق القبلية التي تتمتع بها حركة طالبان، ولم تكن لديهم نفس الموارد المالية التي تحصل عليها طالبان من تجارة المخدرات. في العراق، ساعد الجنرال بترايوس على إيقاف نزيف الدم وإيصال البلد إلى حالة قريبة من السِلم الأهلي. ولكن عليه في أفغانستان أن يُقنع الشعب الأفغاني والجيش الباكستاني والبيت الأبيض والشعب الأمريكي أن هناك تقدما ملموسا يتم تحقيقه وأن الأمريكيين لن يغادروا قبل تشكيل حكومة أفغانية شبه مستقرة. كما أن عليه أن يفعل ذلك وفقاً لجدول زمني يسمح ببداية انسحاب الجيش الأمريكي في يوليو 2011. هذا تحدٍ كبير وقد يتطلب إنجازه فترة طويلة ربما تستمر عقوداً من الزمن.