تصر العاملة المنزلية على أن الحب "لعنة"، رغم محاولاتي إقناعها بأنه "ضرورة"، بعد أن شاهدتني أستعد لتجهيز احتفال خاص لصديقاتي فالحب جميل، ولكن بعض الأفعال الشاذة تشوهه، فحب الله شعور عظيم، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم يقودنا للجنة، وحب الأهل والصديقات، وحب الزوج إلخ، لكنها أصرت على أن الحب "لعنة"، قلت في نفسي لعلها مرت بحب عابر مدمر، ولم توفق للحب العامر!. كانت أمسية جميلة وصريحة محفوفة طاولاتها بالشموع وعصير التوت والورد، تحاورنا فيها في موضوعات شتى. من بين ما تحدثنا عنه، أن البعض في مجتمعنا يعيش أزمة مع الحب، فيتحرج تارة من النقاش فيه مما أدى إلى الجهل والتيه لأبنائنا ووقوعهم في الحيرة، وتارةً يتجرأ ويتعدى الحدود خلف الشاشات مما يزيد من تيهة أبنائنا وانحرافاتهم وصدماتهم العاطفية. مفهوم الحب لدينا مُشوه، وبعض ما يعرض علينا في وسائل الإعلام المرئية هو من اغتاله وشوهه، فإما أن يعرض لنا مسلسلات ببطولات عاطفية منحرفة ومرتبطة بالجنس، أو يعرض لنا برامج ضحايا الحب والابتزاز!. فأصبح من يحب ويتحدث في الحب ينظر في أمره بشك وريبة، ومن يبغضه ويسبه ويعاديه ينظر له بثقة وأمان، متناسين أنه لا أمن ولا أمان إلا بالحب. لا أنسى إصرار صديقتي في تلك الأمسية على تحميل الأم مسؤولية انحراف ابنتها عاطفيا، وعدم إحاطتها بثقافة الحب، فلابد للأم أن تحتوي ابنتها وتوعيها وتكون قريبة منها، خاصة عند مرحلة البلوغ العاطفي، فلتقترب الأم من ابنتها وتوجه وتثقف عواطفها. كنت أحاول أن أناقض صديقتي، لكنها أصرت وأكدت على أن الأم هي المسؤولة مهما كثرت مشاغلها، وأن هذا هو عملها الأساسي، وحتى لا تبرر الفتيات انحرافهن ببعد الأم. هذا غير أن كل إنسان مسؤول مسؤولية تامة عن كل تصرفاته، فلا يرمي بالسبب على أحد، فعندما قال تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) يدل على أن الإنسان مسؤول عما يستوعب ويدخل في وعيه، ومن ثم عن تصرفاته ومخرجات وعيه، أي أن الإنسان قادر على ضبط نفسه، ولن يُسأل إلا لأنه قادر على ضبطها، فلا يحمّل أحدا سبب انحرافه، وليسع للحب الحقيقي. وصيتي (إن وقع قلبك في حب عابر وليس بعامر، فاقطع كل السبل الموصلة للمحبوب، الحب الذي تكون نهايته سعيدة وهانئة وموفقة لابد أن نحرص عليه، فلنرفع شعار "الحب الحقيقي يستحق الانتظار").