تابعت استطلاع صحيفة الحياة 15/10/2012 لآراء بعض الكتاب، فيما كشف عنه أ.عبدالرحمن الهزاع، من غرامة قدرها نصف المليون ريال، لحالات القذف والتشهير في الصحف والمواقع الإلكترونية. وقد خلص الاستطلاع إلى أن هذه العقوبة "قد أثارت ردود فعل إيجابية"، باعتبارها "إجراءً عمليا يحافظ على كرامة الإنسان"، وأنها "ستعمل على التقليل من جرائم القذف والتشهير"، وإن كان البعض قد أبدى تخوفا من "تحول هذه العقوبة إلى ذريعة لتحجيم حرية الرأي وخفض سقفها"، وطالب آخرون بتحرير مصطلح "القذف والتشهير" وتحديده، بما يكفل حرية النقد الموضوعي البناء، وقبول الرأي الآخر. وقد انتابتني الدهشة، لأن الاستطلاع بدا وكأنه يناقش قضية أحدثها _الآن_ تصريح الدكتور الهزاع وليست قضية محسومة بأمر سامٍ صدر منذ قرابة العامين. وكان الأستاذ القدير حمد القاضي قد كتب في صحيفة الجزيرة 3/6/1432 تحت عنوان "قراءة في أهداف الأمر الملكي بتعديل بعض مواد نظام النشر والمطبوعات واستشهد بديباجة الأمر للتدليل على أنه "ينظم حرية الرأي ولا يقيدها"، وأنه "يحفظ حقوق الجميع: ناقدين ومنقودين"، وأن الأمر السامي قد" فتح المجال واسعا أمام الرأي والرأي الآخر، في إطار ثوابت الدين ووحدة الوطن"، بل إن الأمر ينص على أن "الاختلاف بالرأي هو مصدر إثراء للمعرفة". ومن المؤكد أن تحليل أستاذنا حمد القاضي قبل عام ونصف العام من الاستطلاع لما يهدف إليه الأمر، يقدم كل التطمينات لكل التحفظات التي طرحها الكتاب في استطلاع الحياة. وما كدت أعالج دهشتي من عدم متابعة أهل القلم والفكر لما يهمهم وينظم عملهم، خاصة الأوامر الصادرة من ولي الأمر، حتى استوقفتني في نقاشات صحيفة "الوطن" 3/12/1433مقالة للمواطن الشاب كما تبدو صورته حمد أبو غزالة، عن التأثير السلبي الخطير للإعلام الجديد على شباب الوطن، ليضع أيدينا على خطر محدق ومستحدث. وكم كان موفقا في التحذير من مغبة تشكيل وعي جيل الشباب بلون جديد من التعمية، قوامه الإحباط واحتقار نهضة بلاده وإن شهد بها القاصي والداني!، وفي ربطه بين هذه الموجة المستهدفة للشباب، وبين الموجة السابقة التي خدعت شباب الصحوة، وجرتهم إلى ما لا تحمد عقباه. وفي وصفه للحرية اللامسؤولة التي يمارسها رواد "تويتر" بأنها تنطلق من جهل "التويتريين" بقوانين النشر. وهنا مربط الفرس، فسياسة "طّول عصاك ولا تستعملها" لم تعد كفيلة بحماية المجتمع، ولا بد من إعلان الأمر الملكي؛ ليصل مفهومه ومضمونه إلى الناس كافة، ومن ثم تفعيل مقتضاه على أرض الواقع حتى يحقق أهدافه في حماية الوطن وإنسانه. ما أود أن أضيفه هنا: - أن هذا الشر المستطير الذي حذر منه الابن حمد، ليس قاصرا على "تويتر" وغيره على الساحة الافتراضية، بل إنه أيضا واقع في الساحة الإعلامية التقليدية الواقعية (الصحافة والتلفاز خاصة)، وكأن هناك منظومة تعمل طبقا لأجندة على إشاعة هذا اللون الأسود من الإعلام، وتشن به حربا على المجتمع الذي يقتات عليه الإعلام ذاته. - أن الانتشار السرطاني لهذا الداء الوبال بين أوساط الشباب خاصة والذين هم عافية الأمة يحثنا على أن نسارع الخطى ونبذل الجهد الصادق في سباق مع الزمن، لصناعة جدار الحماية من هذه الهجمة المستجدة، وتداعياتها التي أصبحت مع الأسف ظاهرة مجتمعية، لا يمكن أن نغض الطرف عنها، وحتى لا نفاجأ بما فوجئنا به سلفا من تداعيات التغرير بشباب الصحوة. - لست أدعو بالطبع إلى تكميم الأفواه، أوالتغاضي عن القصور، لكن إلى الرقابة الذاتية النابعة من ضمير الإنسان وثقافة المجتمع، وأن يكون النشر بألوانه مؤيدا بالدليل. - في حال الخروج على الشرطين السابقين يجب أن يطبق بحق المخالف للمادة التاسعة (المعدلة) من نظام المطبوعات والنشر وتعديلاته الصادرة بالأمر الملكي الكريم وفيه : (( يلتزم كل مسؤول في المطبوعة بالنقد الموضوعي والبناء، الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة، ويحظر أن ينشر بأي وسيلة كانت أيا مما يأتي: 1. ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة. 2. ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية. 3. التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء، أو رجال الدولة، أو أي من موظفيها، أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة. 4. إثارة النعرات وبث الفرقة بين المواطنين. 5.تشجيع الإجرام أو الحث عليه. 6. ما يضر بالشأن العام في البلاد. 7. وقائع التحقيقات أو المحاكمات، دون الحصول على إذن من الجهة المخولة نظاما. وقد نص الأمر السامي في مادته الثامنة والثلاثين (المعدلة) بأنه "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها نظام آخر، يعاقب كل من يخالف أحكام هذا النظام بواحدة أو أكثر من العقوبات التالية: 1.غرامة لا تزيد على خمسمئة ألف ريال، وتضاعف الغرامة إذا تكررت المخالفة. 2. إيقاف المخالف عن الكتابة في جميع الصحف والمطبوعات، أو عن المشاركة الإعلامية من خلال القنوات الفضائية، أو عنهما معا. 3. إغلاق أو حجب محل المخالفة موقتا أو نهائيا، فإن كان محل المخالفة صحيفة فيكون تنفيذ قرار الإغلاق بموافقة رئيس مجلس الوزراء، وإن كان محلها صحيفة إلكترونية أو موقعا ونحو ذلك فيكون تنفيذ قرار الإغلاق أو الحجب من صلاحية الوزير.. إلى آخر ما جاء في الأمر. ولقد نادت أصوات حتى من الكتاب والإعلاميين أنفسهم بضرورة تفعيل هذا النظام، لكنه حتى الآن لم يلق العناية الكافية بنشره على أوسع نطاق، لتحذير الخاصة والعامة من مغبة هذا الكابوس الجديد الذي يهدد سلامة المجتمع، خاصة وأن دائرة النشر لم تعد قاصرة على النخبة، بل أصبحت مجالاً مفتوحا للعامة، ويصعب ضبط هذه الدائرة ما لم يوجد نظام يحمي سلامة الوطن ويحقق التأثير الإيجابي للنشر والإعلام في مسيرة تنميته. والدعوة لنشر هذا الأمر وتفعيله لا تستهدف بطبيعة الحال توقيع العقوبة، ولكن لأن الوقاية بهذا النشر والتعريف، خير من علاج آثاره بالعقاب، فمتى يرى هذا الأمر النور!؟