صرخت "أم صقر" في أحفادها قائلة: "ابتعدوا عن هذا المكان، فهو موقع "درو" ، وهاهي "دلول المطر" بدت تلوح في كبد السماء، و"الوقع" على وشك أن ينزل"..، وبينما كانت الجدة تتوالى في ذكر تلك العبارات، كان حفيدها "مؤيد" البالغ من العمر خمسة عشر عاما لايدرك ماهية ومعنى تلك الكلمات، بحكم جهله بها، حيث يقول: أبدا لم تمر علي تلك الكلمات، حتى في الكتب المدرسية لم يرد ذكرها، ولم يكن والدايَ يذكرانها لي. تقول الجدة مرزوقة السرحاني والملقبة ب "أم صقر" "لطالما لمت أبنائي على عدم تعليم أحفادي بعض المفردات الشائعة عندنا خاصة الشعبية منها، وأخشى أن تزول في يوم من الأيام عبر الأجيال المقبلة، فلا تجد أجيالنا أيا من تلك العبارات والتي تعتبر موروثا شعبيا لاغنى عنه". وعن المقصود بكلمة "الدرو" قالت: "الدرو هو السيل القادم من مكان بعيد، ويأتي بشكل مباغت عبر تلك الأودية، والتي طالما كانت مصدر رزق لنا في زماناتنا". وتابعت وكأنها تسترجع ذاكرتها حيث تقول: "فقدت أخي الذي يصغرني سنا في ذات المكان، عندما كنّا نلهو في موقع السيل هذا ، وكثيرا ماكان يباغتنا "الدرو" فتنجرف معه مواشينا، ومنازلنا الهشة، وبالطبع لم تكن هناك أية إنذارات من الدرو، فهو يأتي بدون مقدمات، ودونما أية زخة مطر. وعن معنى "دلول المطر" تقول أم صقر: "دلول المطر أعني بها طرف السحابة والتي تميل إلى السواد، فهي نذير بقدوم أمطار غزيرة قد تكون خطيرة في حال لم نتداركها مبكرا"، مشيرة إلى أن الدرو يختلف عن سقوط المطر الذي نطلق عليه "الوقع" لأنه يقع بشكل مباشر من السحب" من جانبها قالت التربوية عائشة حسين العازمي إن "علاقة الجد والجدة بالأحفاد علاقة مهمة، فهما مصدران من مصادر التربية، واكتساب الخبرات، وهما لايتوانيان عن تفسير مايجهله الأحفاد من معلومات قد تخفى عليهم، وفي بعض الأحيان قد يعرفان حقائق عن الأطفال أكثر من الآباء والأمهات". واستطرت العازمي قائلة: "قد يبادرنا شعور بالاستفهام ونحن نرى مدى صبرهما على الإجابة عن أسئلة الأحفاد، أيضا عندما نراهم يستمتعون باللعب مع أولئك الأحفاد، فنتساءل: "كيف يجدون كل هذا الصبر للتعامل مع الأطفال؟ ، ألا توجد عندهم أعمال أخرى أكثر أهمية"؟، وقد ننسى بأن معنى الوقت يختلف عند الأجداد عن معناه عند الآباء، فالوقت لديهم هو وقت حصاد سنوات طويلة، فنجدهم يشرحون للأحفاد ويستجيبون لأسئلتهم بروح مرحة ممزوجة بعاطفة قوية، وهما يحاولان أن يسترجعا الذكريات القديمة التي مرت من خلال تعليمها للأحفاد فيأنسون بذلك، ويستهويهم تقديم الخبرات الماضية لأحفادهم ليتعلموها كما هي سابقا. وعن مدى تناقض تلك المفردات مع ماتعلمه الأحفاد في المدارس تقول: "أبدا لايوجد أيُّ تناقض فيما يذكر، فماهي إلا كلمات تختلف فقط في الشكل، ولكنها تتفق في المضمون والمعنى المراد.