كان التاجر السوري محمد سعيد حسن، يتوجه إلى تركيا بمعدل مرتين شهريا؛ لشراء قطع غيار الآلات الزراعية من المصانع الموجودة جنوب ووسط تركيا، ويشحنها بعد ذلك لتنقل عبر سكة القطار، التي تنطلق من قرية ميدان إكبس السورية على الحدود مع تركيا لتشق طريقها باتجاه حلب وحمص، وصولا إلى دمشق عند محطة سبينة للقطار، لاستكمال إجراءات الجمارك وإيصال البضائع إلى منافذ البيع. ولكن مع اشتداد الأزمة السورية، وانزلاقها إلى مواجهات عسكرية بين القوات النظامية والمعارضة، تباطأت حركة التبادل بين التجار في البلدين، وتعرضت سكك القطارات لأضرار جسيمة، فيما أصيبت حركة شاحنات نقل البضائع بين البلدين بالشلل. ويقول حسن في اتصال هاتفي من دمشق مع "الوطن": إن معبر باب الهوى، الذي يعد المنفذ الرئيس للشاحنات التركية إلى سورية توقف عن العمل كليا بعد النزاع المسلح، الأمر الذي أدى إلى تعطل حركة التجارة البرية التركية، ليس مع سورية فقط، بل مع دول الخليج أيضا؛ لأن سورية هي نافذة التجارة البرية الوحيدة لتركيا مع الأردن ودول الخليج، وبخاصة مع عرقلة الحكومة العراقية لحركة الشاحنات التركية والاضطرابات الأمنية، التي تجعل حركة الشاحنات والحافلات التركية غير آمنة هناك، وكان آخرها إعادة مئات من حافلات الحجاج المتوجهين إلى مكةالمكرمة برا لأداء فريضة الحج قبل يومين بحجة عدم الحصول على ترخيص. ويضيف أن التجار الأتراك اتجهوا إلى شحن بضائعهم إلى سورية والدول العربية عبر البحر، حيث يستغرق وصول البضائع بين 15-20 يوما، فيما تستغرق رحلة الشاحنة أو القطار أسبوعا أو أقل، الأمر الذي كبدهم خسائر هائلة. كما أوضح حسن، أن تجار المدن التركية القريبة من سورية تشهد حركة هجرة كثيفة نحو الداخل التركي بسبب إفلاس الكثير منهم نتيجة توقف حركة التجارة والسياحة بين الطرفين. وبالاتجاه إلى تركيا، ذكرت تقارير اقتصادية تركية أن تبادل إغلاق المجالين الجويين بين سورية وتركيا الأسبوع الماضي أدى إلى اتخاذ الطائرات التركية مسارات تزيد 30 دقيقة عن تلك الاعتيادية، مما يرفع تكلفة الوقود على الطائرات التركية. كما أن الأجواء السياسية المتوترة بين البلدين قادت إلى ارتفاع أسعار بعض البضائع نحو 30% مع تزايد المخاوف بنشوب حرب بين البلدين. وذكر الكاتب في صحيفة ملييت التركية الكاتب جونكور أوراس، قبل أيام أن 90% من عملية التصدير التركية إلى دول المنطقة، ولا سيما قطر والسعودية والأردن والإمارات كانت تتم عبر سورية، ولكن هذه العملية توقفت أيضا بشكل تام بعد الأزمة في سورية، الأمر الذي أدى إلى خسارة الاقتصاد التركي، وبخاصة سكان المنطقة الحدودية، التي كانت تصدر منتجاتها الزراعية إلى الدول المجاورة. وسبق ذلك قيام أنقره بتجميد أرصدة الحكومة السورية، ووقف التعامل مع المصرف المركزي السوري أواخر عام 2011، الأمر الذي ردت عليه دمشق بوقف العمل باتفاقية التجارة الحرة السورية-التركية، وتطبيق الرسوم الجمركية على الواردات التركية. وكان الميزان التجاري قبل ذلك يميل إلى صالح تركيا، التي بلغت صادراتها إلى سورية عام 2009 نحو 1.4 مليار دولار، في مقابل صادرات سورية إلى تركيا بنحو 328 مليون دولار في العام نفسه بحسب بيانات الجمارك التركية. كما أعلن وزير الطاقة التركي تانر يلديز في 11 أكتوبر الجاري أن سورية أوقفت وارداتها من الطاقة الكهربائية من تركيا قبل أسبوع من الإعلان عن ذلك، فيما قال معاون وزير الاقتصاد السوري عبدالسلام علي، مؤخرا إن التبادل التجاري مع تركيا تراجع بنسبة كبيرة تصل إلى 85% العام الجاري. ويبدو أن القاعدة، التي تقول أن الاقتصاد مرتبط بالسياسة، لا تجد لإثباتها دليلا أكثر مما يحصل بين سورية وتركيا في الوقت الراهن!.