د. بهروز بهبودي التصريحات التي جاءت على لسان معظم المسؤولين الإيرانيين قبل انعقاد مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران تظهر أن الجمهورية الإسلامية كانت تبحث عن أهداف خاصة من وراء عقد المؤتمر منها اقتصادية وأخرى سياسية وبعضها إعلامية. كانت إيران تنظر إلى مؤتمر عدم الانحياز بمثابة منفذ لكسب الموارد تخفف من خلاله الضغوطات الاقتصادية وذلك عبر عقد اتفاقات تجارية مع الدول المشاركة في المؤتمر كما سعت من خلال إقامة رحلات سياحية لبعض مندوبي الدول المشاركة إلى تشجيعهم على السفر إلى إيران وتنشيط قطاع السياحة لكن أداءها لم يرتكز على نوايا صادقة خاصة أنها كانت قد أهملت هذا القطاع لمدة طويلة ودمرت كثيرا من الآثار التاريخية في البلد. كما أن سلب الحريات الفردية والتدخل في شؤون المواطنين الخاصة يشكل دائما إحباطا كبيرا لدى المواطنين حيث يفضل كثير منهم التوجه إلى دبي أو تركيا ليجدوا مساحة رحبة لممارسة حرياتهم الفردية رغم الإمكانات السياحية الطبيعية الكبيرة في البلد المترامي الأطراف. يعلم الجميع أن قطاع السياحة في إيران قد مات ودفن تقريبا بعد وصول النظام الحالي إلى سدة الحكم في إيران لكن محاولة دعوة أعضاء البعثات الأجنبية لزيارة المرافق السياحية في البلاد شكلت محاولة يائسة. من جانب آخر سبق و قد صرح عدد من المسؤولين الإيرانيين بأن الدول الفقيرة التي تأتي للمشاركة في مثل هذه المؤتمرات في إيران هدفها الأول هو الحصول على مساعدات مالية رغم كل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الإيرانيون وتساعد رغبة إيران ببناء علاقات مع أي دولة كانت حتى غير المعروفة منها لحصول هذه الدول على المال فضلا عن أن هذا البلد الذي يختلف مع جيرانه العرب في شتى المجالات هو بأمس الحاجة إلى أصدقاء بغض النظر عن مكانتهم السياسية والاقتصادية. وإذا كانت الأهداف الاقتصادية مهمة لإيران فإن الأغراض السياسية كانت لها الأولوية في المؤتمر. وأرادت الحكومة الإيرانية من خلال عقد مؤتمر عدم الانحياز أن تظهر لمعارضيها في العالم بأنها مازالت تتمتع بمكانة كبيرة بين الدول والشعوب وقد لبى كثير من قادة الدول دعوتها للمشاركة في المؤتمر. ورغم علمها بأن المؤتمر لم يشهد نتائج ملحوظة لكنها كرست جل نشاطها لاستغلاله إعلاميا لتجعل منه منبرا إعلاميا يوجه إلى الداخل والخارج لكن الأمور لم تمض مثلما أرادها القائمون على المؤتمر حيث إن المحاولة الغبية التي ارتكبها النظام من خلال تلفزيونه الرسمي تمثلت بتحريف خطاب مرسي في الترجمة الحية وإقحام اسم البحرين بدلا من سورية وتزوير موقفه من الثورة السورية سبب لهم فضيحة أخلاقية كبيرة ودفع النظام الإيراني التكلفة باهظة من خلال احتجاج مصر والبحرين ومجلس التعاون وبعض الدول الأخرى. وفضلا عن الاستهلاك الداخلي لتحريف خطاب الرئيس المصري فإن طهران رأت في خطابه فرصة لزرع الفتنة بين الدولتين العربيتين البحرين ومصر. فأثبت النظام الإيراني أنه نظام غير ملتزم بالمعنى الحقيقي ليس فقط بالقانون الدولي وفحسب بل حتى بمبادئ الأخلاق والقيم السائدة في العالم. وهذا البلد الذي يواجه ردودا متتالية لمواقفه من القضايا المختلفة وصلته هذه المرة رسالة بصوت مدو يشجب سياساته المبنية على الكذب خاصة تلك التي يركز فيها على الاستهلاك الداخلي. أما مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي حرص على تبرير سياسات بلاده عند لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة حيث أعرب عن تقديره لإدارة المؤتمر قائلا إن النتائج كانت إيجابية تماما لكن لم يسأله أحد ما هي النتائج؟ ولماذا لم تتغير سياسات كثير من الدول تجاه إيران بعد المؤتمر بل بعد هذا الحدث مباشرة تلقت إيران صفعة على صعيد العلاقات الدولية من خلال إغلاق سفارتها في كندا وطرد دبلوماسييها. مواقف إيران المتمثلة بدعم الإرهاب والدفاع غير الأخلاقي لقتل السوريين وانتهاكات حقوق الإنسان وعرقلة عملية السلام في الشرق الأوسط تمنع الدول المتقدمة أن تثق بهذا البلد وتشجعها للوقوف أمامه وسياساته المبنية على زرع الفتن. لا شك أن قمة عدم الانحياز بطهران قد انقلبت نتائجها على المسؤولين الإيرانيين خاصة في الداخل كما في الخارج لأن النظام الإيراني وإن حاول إقناع الرأي العام الداخلي بأنه حقق نجاحا كبيرا لكن مستوى الوعي لدى الإيرانيين يمنع من أن ينطلي عليه مثل هذا الترويج.