في عالمنا اليوم، أصبح المحتوى الإعلامي يتوحد ويتشابه إلى حد كبير، وبحكم النمط الثقافي الغالب، والرؤية السطحية المتهالكة لدى كثير من أفراد المجتمع، ومع تحولات مجتمعنا الحادة والمتلاحقة، ومنذ اتجه الوعي الجمعي إلى متابعة الفنانين وملاحقة أعمالهم وأخبارهم، غلبت على كثير من جيل الشباب والشابات حالة من الإعجاب المفرط بالفنانين والفنانات، حالة تتجاوز مجرد الإعجاب بالعمل الفني والتميز الإبداعي، إلى الدخول في خيالات عاطفية بين المعجب أو المعجبة من ناحية، والمشاهير من ناحية أخرى. وبطبيعة الحال فإنها تكون من طرف واحد دائماً؛ فالمشاهير -غالباً- لهم عالمهم البعيد جداً عن عالم المعجبين والمتابعين، عالم المال والثراء الكبير، المتخم بواقع أقرب للخيال. ويظل ذاك المعجب يحتفظ بصور الفنانة التي يعشقها، يعلقها على «حيطان» حجرته، ويخزن العشرات منها في ذاكرة هاتفه، وكذلك المعجبات من الفتيات أيضاً، وتظل تلك أو ذاك من النجوم مستمرة في بعدها، في عالمها البعيد جداً عن أولئك المحبين العاشقين المُدَلَّهين! ينشغل شبابنا وشاباتنا بمتابعة شؤون المشاهير، يدخلون في نقاشات وتعليقات وردود وخصومات أحياناً حول هذا أو هذه من المشاهير، الإعلام يتكفل بنقل هذه الأخبار وترويجها ودعمها بالصور ومقاطع الفيديو وتعليقات المحللين وحوارات الفنانين، وكذلك بالبرامج المكثفة التي تستولي على معظم شاشات قنواتنا العربية ومواقعنا الإلكترونية، وقد اتجهت بعض القنوات العربية مؤخراً إلى استنساخ جملة من البرامج الأجنبية الفنية تحديداً، وتعريبها سعياً لاكتشاف المواهب العربية المدفونة وتقديمها لساحة الفن الكبرى!! ومن ناحية أهم إلى استنزاف جيوب المتابعين والمعجبين من كافة الفئات العمرية من الشباب والشابات، الذين يتفاعلون بأموال يقتطعونها من مصروفهم اليومي، أو من مدخراتهم البسيطة، فقط لأجل دعم من يعجبه أو يعجبها من المشتركين والمشتركات! مؤخراً انتشر خبران عن فنانتين عالميتين؛ الأول عن الممثلة أنجلينا جولي التي أجرت عملية استئصال لثدييها بعد أن كشفت التحليلات الطبية الباهظة الثمن عن وجود هرمون يضاعف احتمال إصابتها بسرطان الثدي، والخبر الثاني كان عن ظهور كيم كاردشيان في إحدى المناسبات وبطنها منتفخ بسبب الحمل، وقد ركزت كاميرات المصورين على ساقيها وقدميها المتورمتين من أثر الحمل، وانتقد المتابعون إصرار كاردشيان على ارتداء الكعب العالي الذي أظهر قدميها في شكل قبيح! ولدينا في الوطن العربي وفي الخليج والسعودية تحديداً ينشغل الناس بمتابعة البرنامج الشهير «آراب أيدل» وبرنامج «إكس فاكتر» يتابعون الحلقات مباشرة ومعادة وخلف الكواليس و.. إلخ، هذه الانشغالات المكثفة، تستهلك أوقاتاً كثيرة، وطاقات جبارة؛ بل وأموالاً غير قليلة من المتابعين المهووسين، ففي حين ينشغل النجوم بمشاريعهم الفنية، وينجحون ويجمعون الأموال ويصلون لمبتغياتهم، يظل المعجبون والمعجبات في هيامهم الواهم بهؤلاء النجوم، تتصاعد آهاتهم، وتضطرم مشاعرهم دون الوصول إلى هدف ما سوى «تأثيث» الوهم وتكريسه! أنجلينا جولي «المرأة الأكثر إثارة في العالم قبل سنوات» مهمومة بفنها ونجاحها في مشوارها الفني وأعمالها السينمائية بالإضافة لاهتمامها بجهود الإغاثة ودعم الجمعيات الخيرية والحالات الإنسانية عبر العالم، وشبابنا يتركز اهتمامهم -في الغالب- على البحث عن صورها المخلة أو ظهورها متخففة من الملابس! وكيم كاردشيان تواصل جني المال ومضاعفة رصيدها البنكي من الأزياء والموضة، وأصحابنا يبحثون عن مقاطعها في اليوتيوب!! قنواتنا العربية، الموقرة، تستنزف الملايين من جيوب البسطاء من عشاق الفنانة الفلانية أو الفنان الفلاني عبر التصويت للمشتركين والمشتركات، أو لدعم فريق فلان أو فلانة، المشتركون بدورهم يكسبون الملايين من هذه المسابقات، ويشقون طريقهم لعالم الشهرة والمال الوفير فيما بعد، وذلك المعجب المهووس غارق في أحلامه وأوهامه، يعطل أعماله ودراسته والتزاماته، يذهل عن تحقيق أي نجاح في حياته الواقعية، مكتفياً بمناجاة صورة نجمته المفضلة كل ليلة قبل أن ينام.. ليحلم بها في منامه أيضاً!!